تعرّف إلى لوران غونيل: الرجل الذي أراد أن يكون سعيداً

لوران غونيل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“الرجل الذي أراد أن يكون سعيداً” (L’Homme qui voulait être heureux) هو أحد الكتب الأعلى مبيعاً في فرنسا، ألفّه رجل بسيط وهو لا يزال مذهولاً حتى اليوم بالنجاح الذي حققه والسعادة العميقة التي شعر بها أخيراً. يخبرنا “لوران غونيل”؛ المحاسب السابق الذي أصبح مختصاً في التنمية الشخصية وألف كتباً حققت مبيعات عالية، كيف أن سعادة الإنسان تنبع من داخله.
كنت متأكداً دائماً في مرحلة الطفولة أنني سأصبح سعيداً عندما أكبر ولكن لطالما أخبرني والداي أنه يجب عليّ في سبيل ذلك أن أدرس بجد وأحصل على وظيفة جيدة في المستقبل، وبدا ذلك منطقياً بالنسبة إليّ لذا فقد كنت طالباً متفوقاً لكنني كنت خجولاً وانطوائياً أيضاً وواجهت صعوبةً في إنشاء الصداقات ولا أذكر أننا كنا نستقبل زواراً في المنزل. كانت طفولتي حزينةً ومملةً جداً لكنني كنت أتطلع دائماً إلى السعادة التي ستأتي “لاحقاً”. في سن المراهقة شعرتُ برغبة في أن أصبح طبيباً نفسياً لأتمكن من فهم الناس ومساعدتهم ولكن طبيب العائلة أقنعني بالعدول عن هذه الفكرة. وأخيراً اخترتُ مهنة المحاسب القانوني؛ إذ لطالما أحببتُ لغة الأرقام كما أن هذه المهنة ستوفر لي قدراً كبيراً من الاستقلالية، إضافةً إلى دوري المهم في تقديم المشورة للشركات.

دروس التمثيل والقفز المظلي

كنت في الثالثة والعشرين من عمري عندما وصلت أخيراً إلى اليوم الذي لطالما انتظرته، فقد أنهيت سنوات الدراسة الجامعية الصعبة بنجاح وتمكنت من العثور على أول وظيفة براتب جيد في شركة ذات سمعة حسنة. لكنني سرعان ما صُدمت، فعلى الرغم من التزامي بالمسار الذي وضعته لنفسي من دون أي تقاعس ونجاحي في دراستي وعملي، فإنني لم أصل إلى السعادة الموعودة. لم أكن أشعر بالرضا عن حياتي، ووجدت نفسي عاجزاً عن مواعدة أي فتاة بسبب جسدي الطويل والنحيل جداً، ولم أكن أعرف كيف أبدأ محادثة ما. أما أصدقائي فكان عددهم محدوداً جداً ولم أكن أعرف كيف أتواصل معهم أيضاً. لقد أثقلتني المشاعر السلبية وأصابتني بالجمود من دون أن أتمكن من التعبير عنها وفوق كل شيء فقد كان عملي مملاً جداً بالنسبة إليّ. لقد كنت تعيساً وعجزت عن التعامل مع تعاستي هذه.

قررت أن أخطو خطوةً جريئةً فسجلت في دروس التمثيل لأعالج خجلي وأتمكن من مشاركة مشاعري مع الآخرين، كما تعلمت رياضة القفز المظلي لأتغلب على خوفي من المرتفعات وتنقلت بين عدة شركات بحثاً عن المتعة في العمل؛ لكن كل ذلك لم يجدِ نفعاً. أيقنت أن مهنة المحاسب القانوني التي بذلت قصارى جهدي لأعمل بها لم تكن المهنة المناسبة لي، وعلى الرغم من أنني تعلمت القفز المظلي وبتُ قادراً على مواجهة خوفي من المرتفعات، فإن تعاستي استمرت كما هي. لقد كان شعوري بعجزي عن تحقيق السعادة التي لطالما حلمتُ بها والعثور على مكاني الصحيح في هذا العالم يتزايد يوماً بعد يوم.

البرمجة اللغوية العصبية وبداية التغيير

توصلتُ إلى اتفاق مع رئيسي في العمل بشأن استقالتي، فقد كان من الواضح أن العمل بالشؤون المالية لا يناسبني، ثم استثمرتُ أموال التعويض الوظيفي في أعمال الاستيراد والتصدير لكن محاولتي هذه فشلت فشلاً ذريعاً، ومع اقترابي من سن الثلاثين بدأت أفقد الأمل في إمكانية فهم كيفية عيش الحياة. بعد ذلك بدأت بقراء الكتب بما في ذلك كتب التنمية الشخصية إلى أن صادفت أول كتاب عن البرمجة اللغوية العصبية، وهي طريقة توضح كيفية تشكل إدراكنا للعالم من حولنا وسبل تعديل هذا الإدراك، وقد كان الأمر بالنسبة إليّ وكأنني وجدتُ أخيراً الدليل الذي لطالما بحثتُ عنه، وبشغف شديد صرت أحضر جلسات البرمجة اللغوية العصبية وشعرتُ أنني بدأت أخيراً أدرك معنى الحياة فقد كنت ألمس تحولاً تدريجياً في داخلي مع تقدم الجلسات، وبدأ التواصل مع الآخرين والتعبير عن مشاعري لهم يصبح أسهل. لقد تعلقت منذ طفولتي بوهم انتظار “السعادة التي ستأتي لاحقاً” بدلاُ عن الاستمتاع باللحظة الحالية وتذوقها؛ الأمر الذي تمكنت أخيراً من تحقيقه.

كانت البرمجة اللغوية العصبية الممر الذي قادني إلى التعرف إلى عالم العلوم الإنسانية الآسر الذي ارتبطتُ بشدة فيه؛ إذ أصبحتُ شغوفاً بمهارات التنمية الشخصية ولم أتردد في الذهاب في رحلة إلى مختلف أنحاء العالم لمقابلة أبرز المتخصصين في هذا المجال. وفي أحد الأيام تلقيت دعوةً من نائب رئيس شركة تدريب كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة معه في قيادة جلسة تدريب داخلي في فنلندا، وعندها أدركتُ أخيراً ما أريده وشعرت بأنني مستعد لأن أصبح مستشاراً في التنمية الشخصية.

بدأ الطريق ينفتح أمامي وكل ما كان عليّ فعله هو أن ألتزم جسدياً وروحياً بهدفي، وهو نقل معرفتي إلى الناس وتدريبهم على عيش حياتهم بطريقة أفضل. في عام 1995 وقبل أن أبدأ مسيرتي المهنية الجديدة، سافرتُ إلى بالي بإندونيسيا لحضور ندوة هناك وعلى الرغم من أن الرحلة كانت رائعة فقد انتابتني مشاعر كآبة شديدة؛ لكنها كانت في الوقت ذاته مشاعر صحية لأنها سمحت لي بإدراك أن سعادة المرء لا تعتمد على عناصر خارجية بل تنبع من داخله، وهي معلومة لا تقدر بثمن كنت بحاجة معرفتها قبل البدء بحياتي الجديدة. وكان الدليل على صحة هذه المعلومة هو تمكني من تجاوز كل مشكلاتي السابقة عند عودتي، فقد بدأت أحب الناس جداً وهو أمر لا يُصدق بالنسبة لشخص عاش حياته منطوياً على نفسه. لقد جعلني انفتاحي على الناس أشعر بسعادة كبيرة وأنار ذهني، وبعد أن عثرت على طريقي في الحياة المهنية تمكنت من العثور عليه في حياتي الشخصية أيضاً؛ إذ قابلت زوي حب حياتي ثم بدأتُ عملي الخاص في مجال التنمية الشخصية وتوافد إليّ العملاء بأعداد كبيرة.

في عام 2006 بلغت الأربعين من عمري وفي العام ذاته توفي والدي الذي كان أعز أصدقائي وحملت زوي بطفلتنا الأولى ليوني التي وُلدت في الخريف. في أحد أيام الصيف من ذلك العام قررتُ أن أبدأ بكتابة كل ما تعلمته خلال السنوات القليلة الماضية لأشاركه مع الجميع وأوضح لهم كيف يمكن لهذه الأمور أن تغير حياتهم وكيف يمكن لعلاقة الإنسان مع ذاته والآخرين أن تجعله سعيداً. وهكذا فقد لخص عنوان كتابي ما بحثت عنه طوال حياتي؛ “الرجل الذي أراد أن يكون سعيداً” (L’Homme qui voulait être heureux) وعندما أنهيت الكتابة تواصلتُ مع أحد الناشرين ليُنشر كتابي الأول على الإطلاق. لقد تم الأمر بسهولة، وعلى الرغم من أنني لم أكن أفقه شيئاً في التحرير فإن كل ما فكرت فيه هو أنني كتبت هذا الكتاب ليقرأه الناس وهذا كافٍ ليكون صالحاً للنشر.

أنا الآن سعيد جداً

لقد رأيت أن سبب إقبال الناس الكبير على كتابي هو أنني كتبته لأجلهم، وعلى الرغم من ذلك فأنا لا أزال مذهولاً حتى هذه اللحظة لأنه أصبح من أكثر الكتب مبيعاً في فرنسا، وتُرجم إلى 12 لغة. وفي الحقيقة أنا لا أسعى إلى تقييم نجاحي لأن ذلك ليس مهماً بالنسبة إلي؛ بل ما يهمني هو أن أفعل ما أراه صائباً وهو في الوقت الحالي إقناع أكبر عدد ممكن من الناس بما فهمته عن الحياة. أنا أومِن بأن البشر كائنات لا مثيل لها في تعقيدها وجمالها لذا فإنه من غير المنطقي أن تتمحور حياتهم حول قضاء بعض الوقت على هذا الكوكب والرحيل، كما أنني متفائل بالمستقبل وأرى أن الأوقات العصيبة التي نعيشها اليوم ليست إلا مرحلة انتقالية وشر لا بد منه قبل عملية التحول الكبير. ورسالتي إلى الجميع هي الوثوق بقدرة الكتب العجيبة على تغيير حياة قرّائها، وهذا ما حصل معي بالضبط ومنذ ذلك الحين وأنا أشعر بسعادة عميقة وأقل ما يمكنني فعله هو مشاركة سعادتي هذه مع الآخرين.

المحتوى محمي !!