هل أنت مهووس بالسيطرة على كل شيء حولك؟ إليك الأسباب والعلاج

الشخصية المسيطرة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: قد تكون الرغبة الملحّة في السيطرة على المواقف والأشخاص ناتجة من الشعور بالقلق والخوف من عدم اليقين، وقد تكون في بعض الأحيان مرتبطة بحالة من حالات الصحة النفسية. فما سمات الشخصية المسيطرة؟ وكيف يمكن التعامل معها؟ وكيف يمكنك أن تتصرف في حال كنت أنت الشخص المهووس بالسيطرة؟

نحتاج جميعاً إلى الشعور بشيء من السيطرة على حياتنا، فهي رغبة بشرية طبيعية تمنحنا إحساساً بالنظام والاستقرار والأمان؛ لكن عندما يتحول هذا الميل إلى رغبة قوية ومستمرة في السيطرة على المواقف والأحداث من حولك كلّها، والسيطرة القوية على الأشخاص في حياتك على نحو ينتهك استقلاليتهم ورفاهيتهم وحقوقهم، فالأمر هنا يتجاوز الحد الطبيعي لتوصَف بالشخصية المسيطرة. فهل أنت مهووس بالسيطرة؟ وما الأسباب التي تسهم في نشوء مثل هذه الرغبة القوية؟ وما الحلول التي يمكن أن تلجأ إليها؟

اقرأ أيضاً: ما هي الهلوسة الفكرية؟ وما أعراضها؟

علامات الشخصية المسيطرة

كما ذُكر سابقاً؛ يحاول الجميع التحكم في ما يحدث في حياته إلى حد ما، فكيف تعلم إن كانت رغبتك في السيطرة أمراً طبيعياً أم إنك تمتلك هوساً غير طبيعي بالسيطرة؟ حسناً، يحاول الشخص المسيطر التحكم في المواقف جميعها من خلال تولي المسؤولية دائماً وفعل كل شيء بنفسه ووفق ما يريد، وقد يحاول السيطرة على الآخرين وتأكيد سلطته وفرض رغبته واحتياجاته عليهم من خلال التلاعب والإكراه والتهديد والتخويف. وبصفة عامة، إليك بعض العلامات التي قد تدل على الشخصية المسيطرة:

  • تصرّ على فعل كل شيء وفق طريقتها الخاصة، حتى عندما يتعلق الأمر بالقضايا الصغيرة التي تكون مسألة اختيار شخصي. على سبيل المثال؛ قد يصرّ الزوج المسيطر على زوجته أن تغيّر الملابس التي ترتديها في حال لم تعجبه، وقد يرفض التراجع عن رأيه ويرفض مغادرة المنزل حتى تستجيب لطلبه.
  • ترفض الشخصية المسيطرة قبول اللوم ولا تعترف بالخطأ حتى عندما يكون خطؤها جلياً.
  • تحاول إلقاء اللوم على الآخرين دائماً، وغالباً ما تجد عذراً لتبرئة نفسها.
  • تحبّ أن تكون مركز الاهتمام دائماً حتى ولو كان ذلك عن طريق التقليل من شأن الآخرين وإنجازاتهم.
  • سلوكها غير متوقَّع ومتقلّبة المزاج، فهي تارة ما تخبرك بمدى روعتك وتغدقك بالهدايا، وتارة ما تتصرف بفتور وتلومك بشدة في حال لم تفعل ما تريد، والهدف هو إبقاؤك في حالة تخمين وتركيز انتباهك عليها.
  • لن تتوانى عن الكذب والتلاعب بالآخرين حتى تحقق مبتغاها، وقد تنكر ما قالته إذا واجهتها ودحَضت كذبتها، وتصر على أنك تتخيل ذلك، أو أنك تبالغ في حساسيتك.
  • تحاول أن تكون مسؤولة عن الشؤون المالية وتتحكم في كمية المال التي يمكنك أن تتصرف بها من أجل السيطرة عليك.
  • تغار على نحو غير معقول؛ لذلك تطالب دائماً بمعلومات كاملة ومحددة عن مكانك والأشخاص الذين ترافقهم.
  • تحاول عزلك عن الأشخاص الداعمين في حياتك.
  • تحدد من يمكنك أو لا يمكنك التواصل معهم ومتابعتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • تنتقد الآخرين طوال الوقت، فلا تعترف أبداً بإنجازاتهم وقد تضخم الأخطاء التي يرتكبونها، وقد تصبح غاضبة غضباً غير منطقي عند ارتكاب الآخرين أخطاءً سخيفةً مثل عدم رد الطرف الآخر على اتصالها فوراً على سبيل المثال.
  • لا تقبل الشخصية المسيطرة الحدود السليمة ولا تقبل “لا” جواباً، ولديها رغبة شديدة في إقناع الآخرين أو الضغط عليهم لتغيير آرائهم.
  • تريد الشخصية المسيطرة أن تحصل على شيء ما مقابل ما تقدمه دائماً، وغالباً ما تعيد ذكر ما قدَّمته مراراً وتكراراً لإبقائك مديناً لها.
  • تلجأ إلى الصمت العقابي غالباً عندما لا تسير الأمور كما تريد.

يمكن القول إن الرغبة الكبيرة في السيطرة غير صحية وغير مفيدة، وقد تخلق صراعات ومشكلات كبيرة في العلاقات الاجتماعية، سواء مع الشريك أو الأصدقاء أو العائلة أو زملاء العمل؛ لكنها لا تُعد إساءة دائماً. يصبح سلوك الشخصية المسيطرة سلوكاً مسيئاً عندما ينطوي على التهديد أو الترهيب أو العنف.

وجدير بالذكر إن الشخصية المسيطرة لا تؤثر سلباً فقط في الشخص المتلقي؛ بل في الشخص الذي يحاول السيطرة أيضاً. ووفقاً للاختصاصية النفسية بلقيس السراجي؛ فإن محاولة السيطرة على أمور لا تمكن السيطرة عليها، تؤدي إلى الإفراط في التفكير؛ وذلك ما سيؤدي إلى مشاعر الحزن واليأس وفقدان الاستمتاع باللحظة وفقاً لتغريدة نشرتها في حسابها على تويتر.

اقرأ أيضاً: متلازمة أليس في بلاد العجائب: الأعراض والأسباب

ما أسباب الشخصية المسيطرة؟

قد تكون الرغبة أو الحاجة المستمرة إلى السيطرة مرتبطة بصعوبة قبول عدم اليقين؛ أي أن الشخص يحاول من خلال فرض السيطرة أن يشعر بالأمان ويتوقع ما قد يحدث، وهذه الحاجة إلى الشعور بالأمان والتحكم يمكن أن تنتج من مجموعة أسباب مثل:

  • الأحداث الصادمة: الحدث الصادم هو ذلك الذي تسبب في حدوث ألم جسدي أو عاطفي أو نفسي، وقد يلجأ الشخص الذي عانى من أيٍ منها إلى محاولة السيطرة على كل شيء بغية حماية نفسه من التعرض لصدمة أخرى، وهذه استجابة طبيعية وقابلة للتكيف.
  • تجارب الطفولة: قد يلجأ الشخص في أثناء ترعرعه في أسرة ذات ديناميكيات غير مستقرة يصعب فيها التنبؤ بما سيحدث إلى تطوير هذه الشخصية؛ وذلك آلية للتكيف والتأقلم في الأُسر التي تعاني العنف المنزلي أو الإدمان.
  • اضطرابات القلق: غالباً ما يواجه الأشخاص الذين يعانون اضطرابات القلق صعوبة في تحمل عدم اليقين، وقد يلجؤون إلى تهدئة أنفسهم من خلال محاولة التحكم في أكبر عدد ممكن من النتائج في محاولة لتقليل هذا القلق، وقد تختلف أشكال السلوك المسيطر باختلاف نوع اضطراب القلق الذي يعانيه الشخص. على سبيل المثال؛ إذا كان يعاني اضطراب القلق الاجتماعي، فقد يشعر بالحاجة إلى التخطيط لتفاصيل التفاعلات الاجتماعية كلها، وقد تجعله تغييرات اللحظة الأخيرة يشعر بالضيق الشديد.
  • سلوك مُكتسب: في بعض الأحيان، قد تكون الحاجة إلى السيطرة ناتجة من شيء اختبره الشخص أو عايشه باستمرار عندما كان صغيراً. على سبيل المثال؛ قد يؤدي سلوك أحد الوالدين ومراقبته لكل ما يأكله الطفل ويفعله ويلعب به إلى تكرار الطفل هذه الأنماط عندما يصبح شخصاً بالغاً؛ إذ قد يجد الشخص الطمأنينة في تكرار هذه السلوكات، أو ربما يفترض أن هذه هي الطريقة التي يجب أن تُدار بها الأشياء في المنزل.
  • بعض حالات الصحة النفسية: قد ترتبط الشخصية المسيطرة ببعض اضطرابات الصحة النفسية؛ مثل: اضطراب الوسواس القهري، أو اضطراب جنون العظمة، أو اضطراب الشخصية الفصامية، أو اضطراب الشخصية الهستيرية، أو اضطراب الشخصية النرجسية، أو اضطراب الشخصية الحدية، أو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.

اقرأ أيضاً: تعرَّف إلى أعراض الذهان الزوري وعلاجه

ما الحلول التي يمكن أن تلجأ إليها إذا كنت مهووساً بالسيطرة؟

إذا كنت شخصا مهووساً بالسيطرة، فإن الخطوة الأولى للحصول على حل هي الاعتراف بالمشكلة والوعي بها؛ إذ لا يمكننا أن نغيّر ما لا نعتبره موجوداً. يقول الاختصاصي النفسي أسامة الجامع في تغريدة نشرها في حسابه على تويتر، إنك كلما حاولت السيطرة على الأمور التي لا يمكنك التحكم فيها، ازداد وضعك سوءاً.

وعموماً، إليك بعض الحلول التي من شأنها أن تساعدك على تحسين نفسك:

  • تعلَّم مهارات التأقلم الصحية: ربما قد تعلمت في أثناء نشأتك أنه لا يمكنك الاعتماد على أي شخص آخر غير نفسك؛ لكن مهارات التأقلم تلك التي نجحت في السابق قد تؤثر سلباً في علاقتك مع البالغين. لذلك؛ فكّر في طلب المساعدة من اختصاصي الصحة النفسية من أجل تعلُّم طرائق صحيحة للتأقلم.
  • خفِّف نبرة حديثك: إذا كنت معتاداً على الصراحة وإعطاء الأوامر بطريقة صارمة، فعليك أن تفكر في طرائق أخرى لتخفيف نبرة صوتك وحدة انفعالاتك من أجل جعل الآخرين يشعرون براحة أكبر عند التعامل معك.
  • حاوِل أن تفهم الطرف الآخر: تدرّب على الاستماع إلى ما يقوله الآخرون فعلاً، فحتى ولو كنت تفترض أن ما تفعله أو تريده هو الأفضل لهم، قد لا يكون ذلك صحيحاً من وجهة نظرهم أو منظورهم. لذلك؛ استمع إلى ما يقوله الطرف الآخر وكرره حتى تفهما بعضكما بعضاً على نحوٍ أفضل.
  • قدِّم اعتذاراً صادقاً: لا وجود للشخص المثالي، ولدينا جميعاً مشكلات نحتاج إلى العمل عليها لتحسين أنفسنا؛ لكن الاعتراف الصادق بأخطائك يجعلك تقطع شوطاً طويلاً نحو إصلاح علاقاتك ومعالجتها. أثبت أنك آسف من خلال العمل على تغيير سلوكك وليس فقط من خلال الكلام.

اقرأ أيضاً: ما هي أعراض القلق النفسوجسدية؟

إن لم يكن أنت، فكيف تتعامل مع شخص مهووس بالسيطرة؟

قد يكون التعامل مع الشخصية المسيطرة أمراً صعباً، فقد يجعلك هذا الشخص تشعر بالحرج أو الغضب أو الدونية، وقد تواجه في بعض الأحيان تهديداً أو ترهيباً أو إساءة، وقد تصبح الرعاية الذاتية والحصول على الدعم أمرَين حيويَّين لصحتك النفسية. وفيما يلي بعض النصائح للتعامل مع الشخصيات المسيطرة في حياتك:

  • اطلب الدعم: من المهم أن تكون لديك علاقات داعمة مع الآخرين الذين يمكنك التواصل معهم وتأكيد واقعك ومشاعرك.
  • اطلب العلاج: قد يساعدك العمل مع اختصاصي الصحة النفسية على اكتساب مهارات التأقلم الصحية للتعامل مع الأشخاص ذوي الشخصيات المسيطرة في حياتك.
  • مارس اليوغا وتمارين الرياضية: قد تساعدك على التخلص من التوتر وتقليل مستويات الإجهاد لديك.
  • عزز حدودك: تعلَّم كيف تقول “لا” بثقة، وأن توضح حدوداً ثابتة بشأن كيفية معاملتك وكيف ستستجيب في حال تجاوز هذه الحدود.
  • حافظ على هدوئك: فكلما كنت أقل تفاعلاً وأكثر هدوءاً كان ذلك أفضل عند التعامل مع الشخصية المسيطرة.
  • حاوِل أن تفهم أسبابها: على سبيل المثال؛ هل يريد شريكك معرفة مكانك في الأوقات جميعها نتيجة خوفه من الخداع أم خوفه من أن تتعرض للأذى؟ فكر في التحدث إليه وحاول أن تكون منفتحاً عند الاستماع إلى أسبابه.
  • عبِّر بعبارات واضحة عن شعورك تجاه سلوكه: مثل أن تستخدم عبارات تتضمن كلمة “أنا” والتي تشرح شعورك وتوضح الموقف من وجهة نظرك، وتجنب أن تبدأ بكلمة “أنت” لأنها تضعه في موقف دفاعي.
  • اقترح على الشخص المسيطر الحصول على العلاج: على الرغم من أن هذا الخيار قد يكون صعباً جداً، وبخاصة أن الشخصية المسيطره تلقي اللوم على الآخرين دائماً، أو لأن مكانة الشخص قد لا تسمح لك بهكذا اقتراح؛ لكن قد تكون الشخصية المسيطرة ناتجة من أحد اضطرابات الشخصية وقد يكون العلاج عند المختصين النفسيين هو الحل.
  • تجنب الشخص المسيطر قدر ما تستطيع: في بعض الأحيان، وعندما تفشل الوسائل الأخرى جميعها، فقد يكون من الأفضل الابتعاد قدر الإمكان عن هذه الشخصية. ذكِّر نفسك بأن هذا السلوك المسيطر هو آلية التأقلم الخاصة بهذا الشخص وليست تقليلاً من قيمتك.

اقرأ أيضاً: المعدة النفسية: أسبابها وأعراضها وعلاجها المحتمَل

ختاماً، يمكن القول إن أياً من السلوكات التي تبديها الشخصية المسيطرة غير مقبول، ومع ذلك، فإن بعض هذه السلوكات أكثر خطورة من غيره، وخصوصاً ما ينطوي على إساءة لفظية، أو عاطفية، أو نفسية، أو جسدية، أو جنسية، أو مالية. لذلك؛ سواء كنت أنت أو أي شخص آخر تعرفه يتعرض لهذا النوع من الإساءة أو العنف، فعليك أن تفكر في طلب المساعدة على الفور.

المحتوى محمي !!