تعرف إلى سبب تأخر تشخيص اضطراب التوحد لدى الإناث مقارنة بالذكور

تشخيص اضطراب التوحد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بحسب منظمة الصحة العالمية؛ يعاني واحد من كل 160 طفلاً حول العالم من التوحد (ASD)؛ ذلك الاضطراب الذي يؤثّر على تطوّر العقل بشكل سليم، وكذلك فعالية التواصل مع الآخرين والبيئة المحيطة. فيمكن أن تتسبب تلك الإعاقات في النمو الناتجة عنه، في الكثير من التحديات الاجتماعية والسلوكية الكبيرة؛ ما يؤدي لتواصل الأشخاص المصابين به للتفاعل بطرق مختلفة عن الآخرين.
تختلف قدرات واحتياجات الأشخاص المصابين بالتوحد، ويمكن أن تتطور بمرور الوقت، فبينما يمكن لبعضهم العيش بشكل مستقل؛ إلا أن البعض الآخر قد يعاني من إعاقات شديدة، ومن ثم يحتاج إلى رعاية ودعم مدى الحياة.

إذا كان اختلاف درجة الإصابة بالتوحد عاملاً مهماً في تحديد قدرات الفرد، فهل يمكن أن يؤثّر ذلك الاضطراب على الإناث والذكور بصورة مختلفة؟ هذا ما بحثت فيه دراسة حديثة من كلية الطب بجامعة ستانفورد.

اضطرابٌ وليس مرضاً

بحسب موقع خدمة الصحة الوطنية بإنجلترا (NHS)، فالتوحّد يُعدّ اضطراباً وليس مرضاً له علاج؛ أي أنه ليس بمرض عقلي؛ بل إن العقل في تلك الحالة يعمل بطريقة مختلفة. كذلك، فإن هذا الاضطراب يظهر لأول مرة في مرحلة الطفولة المُبكّرة؛ ولكن غالباً لا يتم تشخيصه إلا بعد فترة طويلة، ويستمر مدى الحياة.

تختلف نسبة الإصابة بهذا الاضطراب بين الذكور والإناث؛ بحسب الدراسة الأميركية الحديثة، فهو يصيب فتاة واحدة من كل 189 أنثى، ورجلاً واحداً من كل 42 ذكراً. ومع ذلك، فإن الأساس العصبي البيولوجي للاختلافات بين الجنسين لا يزال غير واضحاً؛ حيث لم تدرس معظم الأبحاث تأثيره على الإناث بعد، واستخدمت طرقاً غير مناسبة لدراسة هذه الاختلافات.

تحيُّز التشخيص لصالح الذكور

تشير الدراسة المنشورة حديثاّ في 15 فبراير/شباط في المجلة البريطانية للطب النفسي، إلى اختلاف تنظيم الدماغ بين الفتيان والفتيات المصابين بالتوحد.

وفقاً لكبير مؤلفي الدراسة فينود مينون؛ أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية، ووالتر نيكولز؛ أستاذ الطب النفسي: “نحن نعلم أن تمويه الأعراض يمثِّل تحدّياً كبيراً في تشخيص اضطراب التوحد لدى الفتيات؛ ما يؤدي إلى تأخيرات في التشخيص والعلاج”.

بحسب الباحثين؛ كانت تلك الاختلافات التي تم تحديدها من خلال تحليل المئات من عمليات مسح الدماغ باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، فريدة من نوعها، وساعدت في تفسير سبب اختلاف أعراض التوحد بين الجنسين؛ ما يمهِّد الطريق لتشخيص أفضل للفتيات فيما بعد.

كان الوصف الأصلي لمرض التوحد؛ والذي نُشر عام 1943 من قبل الطبيب الأميركي النمساوي ليو كانر، متحيزاً لصالح المرضى الذكور؛ حيث كان تشخيص الاضطراب لدى الذكور أكبر بمعدل أربعة أضعاف مقارنةً بالفتيات، كما ركَّزت معظم أبحاث التوحد على الذكور.

يقول كاوستوب سوبكار؛ المؤلف الرئيس للدراسة، والأستاذ المساعد في الطب النفسي والعلوم السلوكية: “عندما يتم وصف حالة بطريقة منحازة، تكون طرق التشخيص منحازة“، ويضيف أن هذه الدراسة تشير إلى ضرورة التفكير بشكل مختلف في هذا المرض.

أسباب تأخر تشخيص اضطراب التوحد لدى الفتيات

أوضح باحثو الدراسة أن الفتيات المصابات بالتوحد عموماً، تكون لديهن سلوكيات متكررة أقل من الأولاد؛ ما قد يزيد من احتمالية تأخير تشخيص الاضطراب لديهن، في حين أن التشخيص المبكِّر يساعد في الحصول على نتائج أفضل؛ حيث أن العديد من علاجات التوحد تعمل بشكل أفضل خلال سنوات ما قبل المدرسة عندما تتطور مراكز اللغة والحركة في الدماغ.

لذلك، فإن تلقّي تلك العلاجات في الوقت المناسب يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً. على سبيل المثال؛ الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد الذين يتلقون التدخل اللغوي المبكر، ستكون لديهم فرصة أفضل لتطوير لغة مثل أي شخص آخر والتعبير عن نفسه؛ ما يعني أن تأخر التشخيص لدى الفتيات قد يؤدي إلى صعوبة في التعبير عن أنفسهن جيداً؛ وبالتالي التخلّف في العديد من المجالات.

اختلاف أدمغة الذكور والإناث المصابين بالتوحد

حللت الدراسة الحديثة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ لـ 773 طفلاً مصاباً بالتوحد؛ 637 فتى و136 فتاة. ويعود سبب قلة أعداد الفتيات في الدراسة إلى قلة شمولهن في الدراسات عبر السنوات المختلفة؛ الأمر الذي كان عائقاً أمام معرفة المزيد عنهن.

تشير الدراسة إلى أنه من بين الأطفال المصابين بالتوحد؛ كانت لدى الفتيات أنماط اتصال مختلفة عن تلك الموجودة في العديد من مراكز الدماغ المسؤولة عن الانتباه، واللغة، وكذلك المراكز الحركية عند الذكور.

وبين الفتيات المصابات بالتوحد؛ ارتبطت الاختلافات في المراكز الحركية بشدة الأعراض الحركية؛ ما يعني أن الفتيات اللواتي كانت أنماط دماغهن أكثر تشابهاً مع الفتيان المصابين بالتوحد، يملن إلى إظهار الأعراض الحركية الأكثر وضوحاً.

حدد الباحثون أيضاً المناطق اللغوية التي اختلفت بين الفتيان والفتيات المصابين بالتوحد، ولاحظوا وجود إعاقات لغوية أكبر لدى الفتيان. ويضيف الباحثون أن تلك النتائج يجب أن تُستَخدَم لتوجيه الجهود المستقبلية لتحسين التشخيص والعلاج للفتيات.

يقول مينون بشأن تقنيات الذكاء الاصطناعي المُستَخَدمة في الدراسة: “يطور بحثنا استخدام التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي للطب النفسي الدقيق في التوحد”.

ويضيف سوبكار: “قد نحتاج إلى اختبارات مختلفة للإناث مقارنة بالذكور. قد تساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي طورناها في تحسين تشخيص اضطراب التوحد لدى الفتيات”. وأضاف أنه على مستوى العلاج؛ يمكِّن ذلك التشخيص المُبكِّر الشروع في التدخلات الخاصة بالفتيات في وقت مبكر أيضاً، والحصول على نتائج أفضل.

اقرأ أيضاً: اضطراب طيف التوحد: دليل شامل من الأسباب إلى الأعراض والعلاج

ختاماً؛ في حين أن التوحد يؤثر على تطور قدرات الطفل العقلية والمهارات الاجتماعية، فإن التدخلات النفسية والاجتماعية المبكرة، بالإضافة إلى توفير بيئة منظمة أو روتين ثابت، قد يساعدان في تحسين مهارات الاتصال والمهارات الاجتماعية، مع تأثير إيجابي على جودة حياة الأشخاص المصابين بالتوحد وكذلك مقدمي الرعاية لهم.

المحتوى محمي !!