كيف تبنيت طفل أختي عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري؟

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كانت لين في التاسعة عشرة من عمرها عندما ماتت أختها الكبرى في أثناء الولادة، فقررت تربية ابن أختها الوليد يزن حتى لا تتركه تحت رحمة جدته والدة أمه. تقول اليوم -بعد عشرين عاماً- أن كل شيء على ما يرام.

تقول لين: “بدأت أرى أن الحالة العقلية لأختي تتدهور جداً في الصيف قبل وفاتها. كان عمري 18 عاماً، وكانت سلاف في الرابعة والعشرين من عمرها وحاملاً في شهرها الخامس، وأخبرتني حينها أنها كانت تتلقى رسائل من طفلها تكشف لها عن تجسد جديد ليسوع المسيح ومستقبل العالم. كانت تنغمس في جو باطنيّ يزداد غرابةً في السنوات الأخيرة. بقيت معها في البداية لأني كنت أحبها؛ ولكن علاقتنا ساءت أكثر فأكثر؛ لكن علاقتها بقيت قويةً مع والدتنا التي كانت مقتنعةً تماماً بصدق أوهامها”.

أصبحت قلقة أكثر، ليس فقط على سلاف وصغيرها؛ ولكن أيضاً بشأن مايا؛ أختنا البالغة من العمر عشر سنوات، والتي كانت تعيش طوال الوقت في هذا الجو غير الصحي مع والدي الذي كان يتجاهل الأمر تماماً. عشت في شقة طلابية صغيرة مع فادي؛ حبيبي، وقضيت معظم وقتي مع عائلته التي شعرت معها بالدفء والتوازن.

اقرأ أيضا: طفلي يضربني، كيف أتعامل معه؟

كنت الوحيدة المتوازنة

قبل ست أسابيع من ولادة سلاف، اكتشفت بالصدفة أنها سافرت إلى الخارج، ثم في صباح أخد الأيام؛ اتصل بي والدي ليخبرني أن يزن وُلد قبل أيام قليلة، وفي نفس الليلة؛ أخبرتني إحدى عماتي أن أختي ماتت للتو. كانت الأيام التي تلت ذلك سريالية، شعرت أنني الشخص العاقل الوحيد وسط أشخاصٍ بالغين ضائعين تماماً. غادر والداي لإحضار الطفل، تاركين لي مهمة إخبار مايا وأجدادي بأن سلاف “غادرت” – كما قالوا.

عندما عادوا مع يزن ورماد أختي؛ التي توفيت بعد ثلاثة أيام من الولادة في غرفة الفندق، دون أن تتلقى أي رعايةٍ طبية، قالت والدتي: “سار كل شيء على ما يُرام”. أدركت فزِعة أنها كانت مقتنعة بأن هذا هو مصيرها الإلهي، وأنني “لا أستطيع فهم ذلك”؛ لكن أدركت حينها أنه يجب أن أعتني بهذا الطفل. لم أتمكن من منع كارثة سلاف؛ لكنني لم أستطع ترك طفلها تحت رحمة جنون والدتي. 

كالعادة في هذه العائلة؛ حدث كل شيء بدون تفسير حقيقي. عندما حان الوقت لتقرير الوصاية على يزن، قلت إنني لا أريد أن أكون جزءاً من مجلس الأسرة الذي ينص عليه القانون فحسب؛ بل أريد أيضاً أن أكون وصيةً على يزن. لقد أعلنت هذا بحزم لدرجة أنه لم يعترض أحد، ولا حتى القاضي؛ والذي بدونا أمامه كعائلة بلا تاريخ.

يزن، دراستي، والده وأنا

توقفت والدتي عن محاولة أخذ رعاية الطفل على عاتقها. في البداية؛ لم ترغب في إعطائه لي، وكنت أعلم أنه لا يجب تأجيل الأمر، ويجب أن أصرّ على العناية به والحرص على عدم إثارة أي خلافات. وضعنا أنا وفادي سريراً في غرفة نومنا وبدأنا بالعيش كأسرة واحدة جديدة مع يزن، كنا نأخذه للتنزه عدة مرات بعد الظهر خلال الأسبوع وفي عطلات نهاية الأسبوع. كان هناك نوعٌ من الاتفاق غير المعلن؛ حيث كانت أختي الصغيرة تقضي الكثير من الوقت معنا، وتولى والدي احتياجاتنا المادية.

كان أول قرار كبير عليّ اتخاذه هو كيفية التعامل مع والد يزن عندما ظهر بعد عام. لم يكن يطالب بالسلطة الأبوية؛ لكنه أراد الاعتراف بها. كان والداي ضد هذا الأمر. لم أكن أثق به؛ ولكني رأيت أنه ليس من حقي حرمان يزن من والده، لذلك فعلت ما بوسعي لتقوية علاقته بوالده، فصنعت منه سنداً لولده، واعتاد المجيء لرؤيته مرةً أو مرتين في السنة.

كان عليّ أن أبقى رابطة الجأش طوال الوقت. لم أسمح لمشاعري القوية والمتضاربة بالتغلّب عليّ، لقد كان موت سلاف أمراً فظيعاً بالتأكيد؛ ولكن مولد يزن كان رائعاً أيضاً. لم يكن لدي أي وقتٍ للحزن، إلا في بعض الأحيان عندما كان يزن يستيقظ ليلاً؛ كنت أبكي معه وأخبره عن أمه وبأني أفتقدها كثيراً؛ لكننا سنكون بخير.

إعادة تكوين علاقاتنا الأسرية

أمضينا السنوات الثلاث الأولى على هذا النحو، وأنهيت خلالها دراستي وحصلت بعدها على وظيفتي الأولى. تركني فادي عندما كنت في الثانية والعشرين من عمري، ثم التقيت بحمزة، وكنت حريصةً قدر الإمكان على عدم إزعاج يزن، فقد كان ولداً هادئاً تماماً ومتقبلاً لما أنا عليه. 

ثم مرضت بشدة. اضطررت إلى العودة إلى منزل العائلة -ما أسعد والدتي- كي أتمكن من استعادة عافيتي مجدداً. كان وقتاً صعباً جداً؛ لكني قضيت عاماً كاملاً مع يزن وأختي الصغيرة. بمجرد أن تحسنت قليلاً، انتقلت للعيش مع حمزة، على بعد مئتي متر من منزل والديّ. كان الأمر مثالياً ليزن ومايا، فقد كان بإمكانهما الانتقال من منزل إلى منزل دون مشاكل.

كانت حياتنا منظّمةً على هذا النحو، ونشأ يزن في جو هادئ بين منزل والديّ ومنزلنا، دون أن يتوقف عن التواصل المنتظم مع والده.  كان يتحدث دائماً عن والدته، وعندما كنت أشعر بحاجته إلى قول “بابا” و “ماما”، كنت أشغّل أغنية “بابا وماما” لمدة ساعة أو ساعتين، إلى أن أصبح يقول “لولو” و “حمزة” معتبراً إيانا بمثابة والديه؛ لكن عندما قرر أن يتعمّد في سن الثانية عشرة، اختار حمزة ليكون الأب الروحي له. بذلت جهدي كي تبقى علاقتي مع والديّ مستقرةً، حتى لو كان ذلك بشكلٍ مصطنع، للحفاظ على توازن يزن. كنت دائماً على أهبة الاستعداد وحازمةً وثابتةً في الاهتمام الذي أعطيته له. خلال هذه السنوات؛ عارضت والدتي رسمياً مرتين دون الحاجة إلى إحالة الأمر إلى القاضي مطلقاً؛ لقد فهمت أنني لن أتركه واستسلمت قبل المواجهة الرسمية.

مسؤولية كبيرة

كنت أشعر بسعادةٍ غامرة وأنا أشاهد هذا الطفل الصغير الرائع يكبر ليصبح شاباً رائعاً متألقاً وناضجاً. حدث كل ذلك بسرعة كبيرة، ولحسن الحظ؛ أصبحت مايا جزءاً من عائلتنا أيضاً. كنا ندعوهما أنا وحمزة بـ “شبابنا”.

خلال كل هذه السنوات؛ كنت أراجع طبيباً نفسياً من وقتٍ لآخر لتقييم حالتي العقلية، لأني كنت أحمل مسؤوليةً كبيرةً حقاً. خلال الأشهر القليلة الماضية، ونظراً لأن الأمور قد هدأت أخيراً وأستطيع التقاط أنفاسي والتفكير والتحليل، ودون أن يؤثّر ذلك علينا؛ قضيت بعض الوقت في إعادة قراءة الرسائل التي كتبتها إلى سلاف خلال فترة حملها ومذكراتي خلال السنوات الماضية.

الآن؛ وبعد أن كبر يزن وأصبح كل شيء على ما يرام، أدركت مدى الوحدة التي مررت بها على الرغم من مساعدة زملائي وأصدقائي؛ لكني اكتشفت أيضاً جمال وغرابة قصتنا الفريدة، وربما هذا هو سبب رغبتي في روايتها دون أن أكشف عن هويتي الحقيقية كي لا تحدث مشاكل في العائلة. وأود أن أذكر أنني في بداية مغامرة رائعة جديدة، سأنجب طفلاً في أوائل الصيف. نحن جميعا سعداء جداً بذلك، ويزن ينتظر “أخاه” بفرح وبفارغ الصبر أيضاً كما يقول.

المحتوى محمي !!