تعرف إلى أثر امتلاك هدف في الحياة على صحتك النفسية والعقلية

امتلاك هدف في الحياة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصبحت قوائم المهام اليومية المكتظة جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، سواء ارتبطت بالعمل المنزلي أو المكتبي. وهي بلا شك ذات أهمية قصوى، لا سيما في الأيام المزدحمة بالمهام لتنظيم الوقت والجهد.

لكن هناك قائمة أكثر أهمية قد نغفلها في كثير من الأحيان؛ تلك القائمة التي تحوي هدفنا الرئيس في الحياة؛ الهدف الأكبر والأسمى الذي نسعى لتحقيق خطوة خطوة.

في حين ينجح البعض في امتلاك هدف في الحياة وتحديد هذا الهدف، ينجرف آخرون في تيار المهام اليومية البسيطة التي بإنجازها يُلقى حِمل من على كتف الشخص؛ لكنه بذلك يفقد الفوائد النفسية العديدة للشعور بأن لديه هدفاً رئيسياً في الحياة.

فالعيش بهدف ليس أمراً مرتبطاً بتحسين جودة الحياة فقط؛ بل أثبت عدد من الدراسات مدى أهميته على الصحة العقلية والنفسية، وسلّط الضوء على دوره الحيوي في تقليل مخاطر الإصابة بالخرف؛ ذلك الشبح الذي يهدد نحو 55 مليون شخص حول العالم، والمتوقع زيادة نسبة الإصابة به إلى نحو 78 مليوناً في عام 2050 وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

العيش بهدف يقلل خطر الإصابة بالخرف

تشير مراجعة حديثة للدراسات في مجال الشيخوخة بقيادة باحثين من جامعة كاليفورنيا (UCL) إلى ارتباط عيش الحياة بهدف، بانخفاض خطر الإصابة بداء ألزهايمر وأنواع الخرف الأخرى في وقت لاحق من الحياة؛ حيث وجد الباحثون أن الإحساس بالهدف مرتبط بانخفاض معدل الإصابة بالضعف الإدراكي بنسبة 19%.

هدف الباحثين في هذه المراجعة تحديد ما إذا كان للعوامل النفسية الإيجابية، والتي تضمنت أيضاً الحالة المزاجية الإيجابية والتفاؤل، دور في تقليل خطر الإصابة بالخرف، ووجدوا أن العيش بهدف في الحياة يرتبط بشكل أساسي بتقليل مخاطر الإصابة بالضعف الإدراكي.

أهمية امتلاك هدف في الحياة على الصحة العقلية

راجع الباحثون في الدراسة الحديثة، والتي نُشرت بدورية “مراجعات أبحاث الشيخوخة” (Ageing Research Reviews)، أدلة من ثماني أوراق منشورة سابقاً تضمنت بيانات 62,250 من كبار السن لديهم 50 عاماً أو أكثر، ووجدوا أن الهدف أو المعنى الأسمى في الحياة كان مرتبطاً بشكل كبير بانخفاض خطر حدوث أشكال الضعف الإدراكي المتعددة، وأبرزها الخرف.

كما أشاروا إلى ارتباط وجود هدف في الحياة بقدرة أكبر على التعافي من المواقف الحياتية المجهِدة، وانخفاض الالتهاب في الدماغ، وكلاهما قد يرتبط بتقليل خطر الإصابة بالخرف.

علاوة على ذلك، قد يكون الأشخاص الذين لديهم إحساس أعلى بالهدف في الحياة أكثر عرضة للانخراط في أنشطة؛ مثل التمارين والمشاركة الاجتماعية، والتي بدورها قد تحمي من خطر الإصابة بذلك المرض.

يقول المؤلف الرئيسي الدكتور “جوشوا ستوت” (Joshua Stott): “تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن برامج الوقاية من الخرف للمجموعات المعرضة للخطر والتي تركز على الرفاهية يمكن أن تستفيد بشكل أكبر من خلال إعطاء الأولوية للأنشطة التي تحقق هدفاً ومعنى لحياة الناس، بدلاً من مجرد أنشطة المتعة التي قد تزيد من حالات المزاج الإيجابي”.

ويشير إلى أن ذلك قد يشمل مساعدة الناس على تحديد ما هو ذو قيمة حقيقية بالنسبة لهم، ثم اتخاذ خطوات صغيرة للعمل والسعي تجاهه، بما يتماشى مع هذه القيمة.

وتضيف المؤلفة الأولى “جورجيا بيل” (Georgia Bell): “يبدو أن محاولة العيش وفقاً لما هو مفيد بالنسبة لك له فوائد صحية متعددة -هنا وجدنا أن الشعور بالهدف قد يقلل من خطر الإصابة بالخرف- إضافة إلى الأدلة الأخرى التي تربط الحياة الهادفة بتحسين الصحة العقلية وتقليل مخاطر الإعاقة وأمراض القلب”.

البحث عن هدف مقابل العيش بهدف

في دراسة سابقة من جامعة كاليفورنيا، أشار الباحثون إلى ارتباط امتلاك هدف في الحياة بصحة بدنية ونفسية أفضل، كما أوضحوا أن العيش بهدف يفوق البحث عن هدف في الحياة في الآثار النفسية والعقلية الإيجابية للفرد ليحيا حياة أفضل، ومن الجدير بالذكر أن هذه الارتباطات والنتائج الإيجابية القوية كانت أكبر بين كبار السن.

قام الباحثون في هذه الدراسة بتحليل استبيانات مصمَّمَة لتقييم الصحة الجسدية والنفسية لأكثر من 1,000 بالغ، كما استخدموا استبيانات أخرى لتحديد ما إذا كان المشاركون قد توصلوا لذلك الهدف أم أنهم لا يزالون يسعون إليه. ووجدوا أن الأشخاص الذين شعروا أن لديهم معنى في حياتهم تمتعوا بصحة جسدية وعقلية أفضل، في حين أن أولئك الذين كانوا “يبحثون” عن المعنى أقل عرضة للشعور بذلك.

يقترح الباحثون في هذه الدراسة ضرورة تحديد الأنشطة والأهداف التي نحبها والتي تكون ذات مغزى بالنسبة لنا؛ الأمر الذي قد يكون أسهل مما نعتقد، وأن ننظر إليها على أنها ليست شيئاً إضافياً نلاحقه فقط عندما يكون لدينا وقت فراغ، ولكن اعتبارها مصادر أساسية للصحة والرفاهية.

اقرأ أيضاً: هل إعطاء معنى أكبر لحياتك مجرد وهم؟

هل يقتصر الهدف في الحياة على العمل؟

في مقالها حول أهمية العيش بهدف، تقول “سارة جرينبيرج” (Sarah Greenberg)؛ المعالجة النفسية والمدربة التي تركز على الصحة العقلية والرفاهية المرتبطة بالعمل، يميل الأفراد الذين لديهم إحساس قوي بالهدف إلى العيش لفترة أطول، وتكون قلوبهم أكثر صحة، كما أنهم يكونون أكثر مرونة من الناحية النفسية.

وتستطرد إن العمل يمكن أن يكون مصدراً كبيراً للحصول على هدف ومعنى في الحياة، وهو ما قد يفسر ارتباط التقاعد المبكر بالوفاة المبكرة وزيادة مخاطر الإصابة بالخرف؛ ما يبرز حاجتنا إلى السعي نحو أهداف تتجاوز العمل للحفاظ على صحتنا النفسية والعقلية في مراحل حياتنا المختلفة.

لماذا قد يصعب علينا تحقيق أهدافنا؟

تضيف جرينبيرج إنه على الرغم من سهولة أهدافنا في بعض الأحيان، قد لا نستطيع تحقيقها؛ إحدى أكبر الأسباب التي تعيق ذلك وجود فجوة واسعة بين ما نريد وكيف نتصرف لبلوغه؛ فبينما قد نتوق إلى حياة هادفة، قد نقضي الكثير من الوقت في التفكير المفرط وممارسة سلوكيات لا تعزز إحساسنا بالمعنى.

يرجع جزء من هذه الفجوة إلى حقيقة أننا نفترض أن الهدف هو شيء نقع فيه، لا أننا يجب أن نحدده ونسعى له بخطى ثابتة. لكن الهدف ليس شيئاً يحدث لنا؛ إنه شيء يمكننا خلقه وتحديده بوعي.

وأخيراً، من الضروري في خضم انشغالنا بالمهام اليومية العاجلة، تحديد الهدف الأسمى الذي نعيش من أجله، ليس فقط من أجل تفادي أمراض قد تحدث نتيجة للخواء الداخلي الذي يزيد بالتقدم في العمر، بل لأن العيش بمعنى وهدف هو ما يُكسب الحياة بريقاً يعيننا على تخطي الصعاب، وتجاوز المِحَن.

المحتوى محمي !!