كيف أحافظ على علاقتي بأصدقائي الحاليين؟

المحافظة على الصداقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصعب جانب في الصداقة ليس إقامة الروابط؛ بل المحافظة على الصداقة وهذه الروابط. يعجز البعض عن ذلك ويعاني نتيجة هذا العجز. سنستعرض في مقالتنا وسائلَ لوضع حد لانعدام الاستقرار في علاقاتنا مع أصدقائنا.

لِمَ نعجز عن الحفاظ على صداقاتنا؟

يقول سامي البالغ من العمر 33 عاماً والملقب بـ “منفِّر الأصدقاء” (Friendship Zapper) والرجل الذي يعيش في الزمن الحاضر فقط: “يواصل أولئك الذين يتحدثون عن”صديقهم المفضل” إدهاشي، فأنا لدي مئات الأصدقاء لكنهم يتغيرون باستمرار”.

ويتابع شرحه متهكماً: “ففي العصر الذي تنتشر فيه الأشياء “التي تُستعمل مرةً واحدةً فقط” لِمَ نجعل الصداقات استثناءً من هذا التوجُّه؟” لأنه في إطار الصداقة يصعب كثيراً محو المفاهيم الموروثة عن أجدادنا؛ إذ يقال إن الصداقة “تدوم مدى الحياة” أو كما ينص المثل العريق: “من تنتهي صداقتنا معه لم يكن يوماً صديقاً لنا”.

العجز عن الأخذ والعطاء

في علم النفس المختص بعلاقات الصداقة (حسب سلسة الكتب الفرنسية “ماذا أعلم؟” أو “?Puf, Que sais-je”، يشير عالم النفس الاجتماعي “جون ميزونوف” إلى أن الإخلاص يبقى أحد المعايير الجوهرية لرابطة الصداقة. ويكتب: الصداقة هي أن تؤمن أنها بمثابة “تحدٍّ للزمن؛ بل حتى للموت” لكن خوض هذا التحدي يتطلب بذل جهد كبير.

تعترف ماريا البالغة من العمر 40 عاماً وهي محرَجةً: “إن كسلي هو سبب غيابي عن أصدقائي، ويرهقني تحديد مواعيد مع بعضهم، والاتصال ببعضهم الآخر كذلك. الصداقة تتطلب تكريس وقت واهتمام وعاطفة وتقديم خدمات للصديق “لأنها على غرار جميع العلاقات الدائمة تقوم على مبدأ التبادلية”؛ وهذا ما يؤكده الطبيب النفسي “جيرارد أبفِلدورفِر” بقوله أننا نعطي لنتلقى شيئاً مقابل عطائنا، وهذا ما يتيح لنا نسج علاقاتنا”.

من المهم أن نعرف كيف نعطي ونتلقى. ويشكل هذا الأمر مشكلة بالنسبة للكثير من الناس وفقاً للطبيب النفسي؛ وأولهم أصحاب الشخصيات النرجسية التي تفرط في التركيز على نفسها لدرجة تحجب بصيرتها عن احتياجات الآخر، ثم الشخصيات التبعية القادرة على بذل الكثير لكن بغاية تحقيق هدف واحد يتمثل في تلقي المزيد. هذا يُشعر الطرف الثاني بأنه مقيد ومستغَل حتى، ويقطع الرابط بينهما.

الاستقلالية المزيفة

يشير “جيرارد أبفِلدورفِر” أيضاً إلى “المستقلين المبالغين” الذين “لا يريدون أن يدينوا بأي شيء لأي شخص كان”. لكن إحساس الاستقلالية هذا يكون أحياناً مجرد ذريعة لإخفاء صعوبات “التواصل” لديهم كما يوضح بقوله: “هذه سمة من سمات الشخصيات”التجنبية” ويعزو هذا في الأساس إلى فرط حساسيتها العاطفية.

ويتابع: “نحن نفر من كل التزام عاطفي لخوفنا من المشاعر التي يحملها بين طياته” وخوفنا من الشعور”بالاختناق” والتورط في حالة من التبعية، ومن أن يتخلى عنا الآخرون.

يشير المحلل النفسي “دانييل برَن” إلى ذلك وإلى ماضي الفرد بقوله: “إذا كانت أولى تجاربنا مع الصداقة مؤلمةً ستترك فينا بصمات لا تمحى، فيصبح تجنبنا للخوض في علاقة أو خوضها بشكل سطحي أسلوباً غير واعٍ نتبعه لنحمي أنفسنا من جراح الماضي.

انفصال يخفي الرغبة في انفصال من نوع آخر

يشرح أحمد ذو الـ35 عاماً خيانته في الصداقة بأسلوب مختلف: “ينتهي بي الحال دائماً مصاباً بخيبة أمل من العلاقة”. ووفقاً لـ “دانييل برَن” فإن خيبة الأمل هذه سمة العلاقات التي تكون وليدة الحب من النظرة الأولى.

ويتذكر أحمد أن “المرء يمتنع عن الانفصال عن والديه لكن لا مانع يوقفه عن الانفصال عن أصدقائه” لذا فإن إنهاء المرء لصداقاته بشكل متكرر سيكون أسلوباً ملتوياً للتعبير عن حاجته إلى الانفصال عن والديه.

ويوجز المحلل النفسي ذلك بقوله: “في هذه الحالة يكمن السؤال في معرفة ما إذا كان هذا الميل للانفصال ضمن إطار الصداقة فقط، أو أنه ينطبق أيضاً على إطار العمل والحب وغيرها؛ إذا لاحظنا نمطيةً في سلوك المرء سيكون العلاج مفيداً له”.

ما الحل؟

● ضع قائمةً بأولوياتك

هل تهمك الصداقة؟ لتعرف ذلك ضع قائمةً بالأمور التي تعتقد أنها أساسية لتعيش حياةً هانئةً؛ مثلاً بناء مسارك المهني، بناء حياة أسرية ناجحة، تكوين صداقات وإلخ. ثم احسب النسبة المئوية للوقت الذي تعتقد أنك تخصصه أسبوعياً لكل هدف من هذه الأهداف.

الغاية من هذه الخطوة: تحقيق التوازن بين اهتماماتك والوقت الذي تخصصه لها.

● كن منظماً

إذا بدا لك أنك لا تفتقر إلى الرغبة لرؤية أصدقائك لكن ينقصك بعض التنظيم؛ نظم “جدول الصداقة” الذي تحدد فيه وقتاً تخصصه خلال الأسبوع لأصدقائك. في جميع الأحوال لا تتوقع أن يعاود الآخرون الاتصال بك، فلن تتلقى الاهتمام دون أن تمنحه.

● اعترف بنقطة ضعفك

“تعلم أنني لست من النوع الذي يشارك مستجداته كثيراً لكن هذا لا يعني أنك لا تشغل تفكيري”. يُفترض أن هذه السمة هي التي تميزك، وهذا الاطمئنان هو دليل على الثقة التي ستغذي صداقتك. طبعاً بشرط ألا تستخدمها بشكل منهجي لمجرد الكلام.

● نصائح للجميع

إذا كان الطرف الثاني شريكك امنحه إحساس الصداقة: ادعُ أقاربه بانتظام واسأله من يتردد عليه. أما إذا كان صديقك فلا داعي لتتتبعه حتى تبقى على اتصال معه، فقد ينفره ذلك منك.

من ناحية أخرى يعد عملكما على مشروع مشترك أو تشارككما في ممارسة هواية أو ائتمانه لك على سر في موضوع معين، طريقةً جيدةً لتكوين رابط عميق معه.

إفادة

تدليها ليديا ذات الـ31 عاماً وتعمل معلمةً.

“كانت لدي علاقات عاطفية وكانت عائلتي إلى جانبي. كان هذا كافياً بالنسبة لي حتى جاء اليوم الذي قررت فيه الزواج: عندما كنت أعُد الأشخاص الذين سأدعوهم إلى زفافي لاحظت  غياب الأصدقاء عن حياتي، فشعرت بوحدة رهيبة وأنني عديمة الجدوى. 

أشارت طبيبتي النفسية أن إحساسي بالفراغ قبل بضعة أيام من زفافي كان مفاجئاً لها نوعاً ما. عند التحدث معها فهمت أن إحساسي برغبة في “إبطال” الزواج ينبع من حقيقة أنني أدركت خيانتي: ففي علاقات الحب والصداقة التي مررت بها لم أمر أبداً بعلاقة دامت أكثر من عامين، وحدهما والداي من دامت علاقتي بهما أطول من ذلك. أما الآن إن زواجي بمثابة انفصال عن أمي وأبي، فهل سأكون قادرةً على تحمل هذا الانفصال العائلي كما تحملت جميع الانفصالات التي مررت بها وآلمتني حينها؟ وهل يمكنني أن أخلص لأي شخص غير والدي؟ 

اتصلت بعد ساعة من جلستي مع الطبيبة بصديقتين لم ألتقِ بهما منذ سنوات، وأصبحتا شاهدتان على زواجي، وقدرتي على إظهار ولائي لأصدقائي. لقد مرّ أكثر من عامين على زفافي، وأصبحت ألتقي بهما مرةً كل أسبوع منذ ذلك الحين”.

المحتوى محمي !!