دراسة: الكتب تتفوق على الأجهزة اللوحية في زيادة التحصيل الدراسي للأطفال

الأجهزة اللوحية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: باتت الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر واسعة الانتشار في حياتنا اليومية؛ حيث تتميز هذه الأجهزة المتطورة بأنها تتيح إمكانية تخزين القواميس وكتيبات الدورات التدريبية أو حتى أمهات الكتب والروايات الأدبية الكلاسيكية وسهولة فتحها بنقرة واحدة. فهل يجب أن نشجع الطلاب على الاستفادة بنسبة 100% من هذه الوسائل الحديثة للوصول إلى المعرفة والتخلي عن الكتب الورقية باعتبارها شيئاً من الماضي عفى عليه الزمن؟ أبداً، واستناداً إلى نتائج أحدث الأبحاث فعلينا أن نحذر الوقوع في هذا المزلق.
تم إجراء عشرات الدراسات منذ بداية القرن الحادي والعشرين لتقييم آثار وسائط القراءة في مستوى فهم النصوص بمختلف أنواعها، سواءً كانت نصوصاً وثائقية أو كتباً مدرسية أو أوراقاً بحثية أكاديمية أو أعمالاً أدبية، الروايات الكلاسيكية أو قصص الخيال العلمي، إلخ.

وقد خضعت نتائج هذه الدراسات لدراستين تحليليتين تم نشرهما عام 2018، أجرى إحداهما كلٌ من كونغ وسيو وزاي، وتضمنت تحليلاً شمل 17 دراسة نُشرت في مجلة “أجهزة الكمبيوتر والتعليم” (Computers & Education)، ودراسة دلغادو وزملائه التي شملت 54 دراسة تم إجراؤها بمشاركة نحو 170,000 قارئ، وتم نشرها في مجلة “مراجعة البحوث التربوية” (Educational Research Review). وأثبتت هاتان الدراستان التحليليتان أن الإنسان يستطيع فهم النص بصورة أفضل كثيراً عند قراءته على الورق مقارنة بمستوى فهمه له عند قراءته على الشاشة.

عادات القراءة

في حين أن كونغ وسيو وزاي (2018) لم يأخذوا في الاعتبار طبيعة النصوص (الوثائقية أو السردية) كمعيار للحكم على فهمها، فقد وجد دلغادو وزملاؤه أن الفارق بين القراءة على الورق والقراءة على الشاشة يتجلى في حالة الإقدام على قراءة النصوص ذات الطبيعة الوثائقية والنصوص التي تجمع بين الطبيعتين الوثائقية والسردية؛ ولكن ليس النصوص ذات الطبيعة السردية البحتة. ويقدّم الباحثون تفسيرين لهذه النتيجة:

  • تتطلب النصوص الوثائقية معالجة معرفية أكثر تعقيداً؛ حيث تتضمن مثلاً استخدام مفردات أكاديمية محددة للغاية.
  • تتصف النصوص الوثائقية بأنها أقل ارتباطاً بالمعرفة التي يمتلكها القرّاء حول العالم الحقيقي، ويسهم ذلك في جعل فهم هذه النوعية من النصوص أكثر صعوبة وفي الوقت نفسه أكثر حساسية لطبيعة وسائط القراءة.

ولتوضيح أسباب سهولة فهم هذه النصوص عند قراءتها على الورق، فإن العامل الأول الذي يمكن الاستناد إليه هو عامل الخبرة. ونظراً لأن التكنولوجيا الرقمية حديثة نسبياً، فإن عادات القراءة على الشاشة أقل ترسخاً من عادات القراءة على الورق. وتتمثل إحدى طرائق اختبار هذا العامل في محاولة تضييق الفجوة في فهم النصوص عند قراءة أحدث المنشورات من وسائط مختلفة، لأن المنشورات الحديثة تعكس دراية المشاركين بشاشات الأجهزة اللوحية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد وجد دلغادو وزملاؤه أن ما يحدث هو العكس تماماً؛ أي اتساع الفجوة في فهم النصوص الحديثة بين قراءتها على شاشات الأجهزة اللوحية والورق مقارنةً بما يحدث عند قراءة النصوص القديمة نسبياً، لذا فإن النقص النسبي في الخبرة بالتكنولوجيا لا يفسر مزايا النصوص الورقية فيما يتعلق بالقراءة.

التجربة الحسية

إذاً هل ستكون الأهمية النسبية للكتب الورقية هي العامل الحاسم؟ لا تقتصر فائدة القراءة من الكتب الورقية في واقع الأمر على سهولة تحليل النصوص المكتوبة هناك ومعالجتها فحسب؛ بل تشمل أيضاً تكوين علاقة بين المحتوى والقارئ من منظور حسي حيث يسهم شكل الكتاب الورقي وغلافه ورائحته وعدد الصفحات وسمكها في مساعدة عقولنا على سهولة استيعاب المعلومات التي تصل إليها والاحتفاظ بها بشكل أفضل بمرور الوقت.

وبما أن الأجهزة اللوحية وغيرها من أجهزة القراءة الإلكترونية تتيح إمكانية تخزين آلاف الكتب، ومن المؤكَّد أن هذه الخاصية تسهم في تخفيف أوزان الحقائب المدرسية؛ ولكن عند قراءة النصوص على هذه الوسائط، فإن الطالب سيكون أقل معايشة للتجربة الحسية المرتبطة بالكتب المدرسية والروايات ومن ثم لن يستطيع معالجتها وحفظها بالشكل المطلوب. وتشير نتائج دراسة نشرتها مانغن وأوليفييه وفوليه عام 2019 إلى هذا الاتجاه،

فقد طلب الباحثون من المشاركين في الدراسة قراءة نص سردي طويل باستخدام كتاب ورقي أو جهاز إلكتروني. وفي حين أن مستوى الفهم العام الذي تم قياسه كان متشابهاً إلى حدٍّ كبير، بغض النظر عن الوسيط المستخدَم في القراءة، فإن القراءة على الورق أتاحت القدرة على تذكر الأماكن التي ظهرت فيها الجمل بدقة وترتيب وقوع الأحداث بشكل أفضل.

وبالتالي يعتبر الباحثون أن إمساك الطالب بكتاب حقيقي في أثناء القراءة يوفر معلومات حسية وحركية أكثر ثراءً؛ ما يمكّن من معالجة النص وحفظه وتذكُّر الترتيب الزمني للأحداث الموصوفة بشكل أفضل، وبالتالي فإن البيانات العلمية الحالية تقودنا إلى الاستمرار في تفضيل قراءة الكتب الورقية إذا أردنا تعزيز قدرتنا على فهم ما نقرأه وحفظه.

المحتوى محمي !!