كيف يمكننا العيش مع شخص يعاني من القلق الدائم؟

القلق الدائم
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو متجهماً وحزيناً، ويتوقع حدوث الأسوأ دائماً، كيف يمكننا مساعدته عندما نتشارك معه الحياة دون أن يؤثر ذلك على صحتنا النفسية؟ يقدم الطبيب النفسي كريستوف أندريه بعض النصائح حول كيفية التعايش مع الشخص الذي يعاني من “القلق الدائم”.
“أنا دائماً مهووس بفكرة الموت وأتأمل باستمرار. أظل أتساءل عما إذا كانت هناك حياة أخرى، وإذا كانت موجودةً حقاً، فهل يمكنني الانتقال إليها مقابل 20 دولاراً؟”.

ليس كل الأشخاص القلقين مضحكين مثل وودي آلن، لكنهم جميعاً يفرضون على من حولهم هذا المزيج المتفجر من المخاوف الغيبية والمخاوف بشأن الحياة اليومية. يمكن أن يكون العيش معهم مصدراً لسوء التفاهم والصراعات والإرهاق والتعب، ولكن ذلك يمكن أن يكون مفيداً لك ويمثل فرصةً لطرح بعض الأسئلة المفيدة عنك وعن معنى الحياة.

استمع إليه

بالنسبة للشخص القلق، هناك نوعان من اليقين: العالم مليء بالمخاطر المحتملة، ولا يمكن لأحد أن ينجو منه إلا إذا اتخذ أقصى درجات الحذر. لذلك يدفعنا القلق إلى توقع الصعوبات باستمرار، وإلى تطوير يقظة مستمرة ومفرطة بناءً على أمل غير منطقي للوصول إلى نقطة لا توجد عندها أي مخاطر. من الخارج، يبدو هذا كلاماً مُتوهماً ومبالغاً به، لكن كيف يمكن شرح ذلك للشخص القلق؟ كيف نتجنب الانزعاج من ردود أفعاله ونتحدث معه بشكل أكثر فاعلية؟ لا جدوى من إنكار المشاكل التي يتخيلها، فهي دائماً “ممكنة” في نظره.

لأن القلق ليس وهماً، بل تضخيماً أو توقعاً لصعوبات حقيقية، من الأفضل أن تناقش معه تكلفة قلقه ومحاولاته لتجنب الأسوأ: “في عطلة بالخارج، يمكن أن يخدعك سائق سيارة أجرة عديم الضمير أو صاحب مطعم. لكن ألا يفسد التجول لساعات بحثاً عن مكانٍ آمن إجازاتنا أكثر من الانخداع من وقتٍ لآخر؟”.

تحلَّ بالصبر والتسامح

على الرغم من مظاهره (وعلى الرغم مما يعتقده الناس القلقون أو يريدون تصديقه)، فإن القلق ليس وجهة نظر حيادية وعقلانية، ولكنه يرتكز على قاعدة عاطفية وذاتية قوية. إذا كنت تريد أن تدفع الشخص القلق للتفكير في مبالغاته، فعليك أن تتجنب، إن أمكن، إجراء مناقشات ساخنة في أثناء نوبات القلق لديه، بل التحدث معه بهدوء بعد ذلك. تحلَّ بالصبر والتسامح، إذ دائماً ما يستغرق التغيير وقتاً، وتحتاج جهودك إلى وقت كي تؤتي ثمارها. من المفيد دائماً أن تسأل نفسك ما هي الأسباب التي تدفعك لمساعدة شخصٍ على تخفيف قلقه: هل هو أناني لا يريد أن تُفرض عليه عادات نمطية لا يريدها؟ هل هو الإيثار؟ لا يريد لأحبائه أن يغرقوا في القلق؟ كلاهما، لا تريد أن ترى الشخص القلق ينسحب ويعزل نفسه؟ على أي حال، لن يكون الحوار مفيداً إلا إذا شعر الشخص القلق بالاحترام، قل له مثلاً: “أعلم أنك ترى الأشياء بهذه الطريقة، لكني أراها بشكل مختلف”، ولا تحكم عليه، كأن تقول له: “اسمع، لديك مشكلة”.

في كثير من الأحيان، يشعر الأشخاص القلقون أن مخاوفهم لها ما يبررها، وأن الأشخاص غير القلقين غافلون عن مشاكل الوجود الحقيقية. لا حاجة لتحويل الحوار إلى لعبة أخذ ورد من الحجج والحجج المضادة حول قسوة الوجود، والفرق بين القلق والوضوح.

غالباً ما تحتاج إلى الذكاء والخبرة عند التعامل مع الشخص القلق لإقناعه بضرورة تجربة طرقٍ جديدة للقيام بالأشياء. على سبيل المثال فيما يتعلق بالتحكم المفرط: يعاني الأشخاص القلقون حرفياً من حساسية تجاه عدم اليقين- ففي نظرهم يمكن فقط إخفاء التهديدات والمخاطر- والارتجال. بدلاً من حث الشخص القلق على “الثقة بالحياة”، يمكننا أن نقترح عليه “المخاطرة” بالتخلي عن عاداته والقيام باختبارات صغيرة، مثل استقبال الأصدقاء دون إعداد الطعام لهم مسبقاً، والذهاب في رحلة عطلة نهاية الأسبوع دون أن تحجز… ماذا سيحدث بعد ذلك؟ هل ستظهر أية مشاكل؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل هي كوارث أم حوادث؟ هل يمكنك النجاة منها؟

القلق شيء جيد أيضاً

أخيراً، تعلم كيف تتعرف على فوائد القلق. من فوائده؛ الاهتمام بالتفاصيل والكمال والتنبؤ بالمشاكل، كل هذا يمكن أن يكون مفيداً (خاصة في مكان العمل: الرؤساء يفضلون الموظفين القلقين بعض الشيء). من الطبيعي أن تتحقق من أنك لا تبالغ في الاعتماد على الشخص القلق وإسناد المهام المرهقة له، مثل تربية الأطفال وإدارة الشؤون المالية وما إلى ذلك، ولا تكن مثالياً بشأن الضغط الذي تمارسه على أحبائك القلقين لأن هناك “استخداماً مفيداً للقلق”.

هذا هو الهدف من العلاجات الموصوفة: لا يتعلق الأمر بقمع القلق (سيكون ذلك غير واقعي)، بل بالسيطرة عليه. القلق المفيد هو الذي يلفت انتباهنا إلى المشاكل، ويجعلنا نعمل على تجنبها، ثم يتيح لنا الاستمتاع بالحياة. وبالتالي فإن للقلق قيمة: فهو يذكرنا بأن الحياة ليست نهراً هادئاً دائماُ، وأن المحن كامنة، وأن هناك حاجة ملحة للاستمتاع بالأوقات السعيدة.

شهادة

أوليفييه، 36 عاماً، رسام: “لم أنجح في تهدئتها، كنت فقط أغذي مخاوفها”.

يقول أوليفييه: “أحياناً أكون غاضباً حقاً من لورا لأنها جعلت حياتنا بائسة على الرغم من أنها هي من يعاني من قلقها بشكلٍ رئيسي. إنها لا ترى الأشياء بسوداوية وحسب، بل إنها غالباً ما تكون مقنعة للغاية لدرجة أنها تمكنت من إثارة قلقي. منذ ثلاث سنوات، في بداية حياتنا معاً، انضممت إلى “لعبتها” لتهدئتها، كنت أتصل بها بمجرد خروجي من المنزل، وقمت بإجراء فحوصات الدم عندما كنت أشعر بأقل مرض إلى أن أدركت يوماً أنني لم أكن أهدئها، كنت فقط أذكي مخاوفها، لذلك أردت تجربة العلاج بالصدمات الكهربائية”.

في آب/أغسطس الماضي، سافرت من باريس إلى مرسيليا ليلاً، ولم أرغب في الاتصال بها إلا بعد تناول إفطاري بهدوء في الميناء القديم. لم يكن لدي وقت للاتصال بها. كانت أختها قد تركت اثنتي عشرة رسالة على هاتفي الخلوي: تعرضت لورا لتوها لنوبة قلق تركتها مشلولة لدرجة أنها اضطرت إلى الاتصال بالطبيب. كنت ممزقاً بين الغضب والألم الذي شعرت به تجاهها. بدأت لورا العلاج قبل بضعة أشهر. إنني أبذل قصارى جهدي لمساعدتها قبل أن نبدأ في تكوين أسرة، لأنني لا أرغب في تربية طفل في جو من “القلق الدائم”.

المحتوى محمي !!