هل العلاج الكمي في طريقه إلى الاستحواذ على الساحة الطبية؟

العلاج الكمي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أبصرت العلاجات الكمية النور مؤخراً متّخذة من اكتشافات الفيزياء الكمية ركيزة لها، لتُصبح إحدى أحدث مقاربات العلاج في الطب الحديث. وهي تنطلق من مبدأ أن خلايانا ترسل معلومات تحدد حالتنا الصحية، بالوسع الاشتغال عليها لحلّ تعقيدات صحية كثيرة. في هذا المقال، نُلقي الضوء على العلاج الكمي بشكل مفصّل.

تحكي نور وهي فنانة تبلغ من العمر 50 سنة عن تجربتها قائلةً: “تم تشخيصي قبل 10 سنوات بمرض الذئبة الحمراء، وهو مرض مناعي ذاتي مُزمن، ومنذ ذلك الحين يستلزم علاجي أخذ 11 نوعاً من الأدوية يومياً؛ لكن ذلك كله تغير قبل 6 أشهر حين التقيت صديقة أخذت تحدّثني بانبهار شديد عن تقنية جديدة للعلاج والتي وفقاً لها لم تكن تمتّ للطب التقليدي ولا الطب البديل بصلة! كانت التقنية عبارة عن “جهاز” يقدم نتائج دقيقةً بشكل محير، ولأني شخص لا يتهيّب خوض التجارب الجديدة أخذت على الفور موعداً عند معالجٍ يستعمل جهاز الارتجاع البيولوجي (Biofeedback). لم يستغرق الأمر سوى دقائق قليلة قبل أن يظهر على الشاشة أمامه تاريخي المرَضي كاملاً بوضوح، قبل أن يُباشِر الجهاز عملية العلاج من خلال إرسال “معلومات” لجسدي. وفي غضون حصص قليلة، اختفت كل الأعراض التي كنت أعاني منها، وبالتنسيق مع طبيبي وموافقته تقلَّص عدد الأدوية التي آخذها من دزينة إلى دواء واحد فقط!”.

تشخيص شامل

كيف يمكن لجهاز أن ينجز تشخيصاً دقيقاً ويعالج مرضاً مناعياً ذاتياً بهذه السرعة؟ تختلف الأمراض والأعراض من شخصٍ إلى آخر غير أن النتائج واحدة وهي مُذهلة! لم يجد الباحثون ولا الأطباء مفراً من الاعتراف بهذه المقاربة الحديثة في العلاج، لا سيما وقد بدأت تجد لها موطئ قدمٍ راسخاً وقوياً في دوائر البحث العلمي. انعقد أول مؤتمر تناول موضوع العلاجات الكمية في مدينة إكس أون بروفونس بفرنسا في نوفمبر/ تشرين الثاني من سنة 2010، وقد ضمّ مجموعة من العلماء من كل أنحاء العالم ومن بينهم فريق الأستاذ الحائز على جائزة نوبل في الطب سنة 2008، لوك موتانييه (Luc Montagnier). ومنذ ذلك الحين والمؤلفات التي تتناول الموضوع والمؤتمرات التي تنعقد حوله تلاقي إقبالاً استثنائياً؛ كما عرف تصنيع أجهزة الارتجاع البيولوجي طفرة كبيرة.

تدعونا “العلاجات الكمية” المعروفة أيضاً بـ “الطب الكمي” إلى رؤية الحياة والصحة والمرض من منظور مختلف تماماً؛ إذ وفقاً لها لا تعود أجسادنا عبارةً عن مجموعة أعضاء يعالَج كلّ منها على حدة كما يراها الطبّ “الكلاسيكي” بل تُعدّ حقلاً طاقيّاً يتكون من مليارات الجُسيمات المضيئة (الفوتونات) التي تنقل بينها عدداً هائلاً من المعلومات، لتخلق فضاء مضيئاً حيثُ يتحدّ الجسدُ بالروح ويتصلان ببعضهما ليكونا كياناً واحداً. يرتكز العلاج الكمي على فكرة مفصلية مفادها أن التبادلات البيوكيميائية التي تُجريها خلايانا ليست هي ما يحدد حالتنا الصحية بل المعلومات التي تتبادلها فيما بينها. ونتيجةً لذلك، فإن المَرض لا يعود مشكلة بيولوجية بحتة بل خللاً طال المعلومة المُرسَلة والمُستقبَلة، والأعراض التي تظهر علينا ما هي سوى تمظهرات لهذا الخلل.

بالنسبة إلى شخصٍ غير متخصص ولا ينتمي إلى الدوائر العلمية فإن فكرة كهذه قد تبدو ضرباً من الجنون وشطحة خيال، مع أن هذه المقاربة في واقع الأمر بُنيت على عشرات السنين من البحث وانطلقت منذ قرنٍ مع ألبرت آينشتاين (Albert Einstein) وبحوثه المنصبة على الطبيعة والضوء. فقد أخذت الفيزياء الكمية التي تصف حركة الذرات والجسيمات دون الذرية تتطوّر على مدار عقود بعيداً عن الفيزياء التقليدية، ذلك أنها لا تنتهج القواعد نفسها؛ إذ ارتكز الطب الكمي على قاعدةٍ مهمة من الفيزياء الكمية تتجلى في أن الموجات الكهرومغناطيسية هي في الوقت نفسه فوتونات. حيث اكتشف عالم الفيزياء الحيوية الألماني فريتز-ألبرت بوب (Fritz-Albert Popp) في أثناء سبعينيات القرن الماضي، وجود ما أطلق عليه اسم الفوتونات الحيوية (Biophotons) وهي عبارة عن جزئيات ضوء ترسلها خلايانا ونجح في تصويرها. هذه التيارات الدقيقة الضوئية والتي لا تُرى بالعين المجردة، هي مُحمّلة في واقع الأمر بمعلومات تتحكم في أجسادنا، غير أن ذلك لا يحصل بطريقة اعتباطية.

التشافي الذاتي

أحد أهم اكتشافات الفيزياء الكمية التي أعاد العلاج الكمي توظيفها وتطويرها هي نظرية “مجالات الطاقة” التي تنظم أجسادنا وتتحكم فيها، فالجسد في محصلة الأمر عبارة عن نظام معلومات منظّم وهو ما فطِن إليه الصينيون منذ أزمنة سحيقة عند استحداثهم لعلاج بالوخز بالإبر الذي يرتكز على تدفقات الطاقة، وما انتبه إليه الهنديون بطبّهم التقليدي (أيورفيدا).

إن أجهزة الارتجاع البيولوجي الكميّة صُمّمت لتلتقط الموجات الكهرومغناطيسية والترددات التي ترسلها كل خلية في أجسادنا، وفي حال كانت هذه الترددات مشوشة أو خاطئة فإن هذه الأجهزة تعمد إلى تصحيحها عبر إعادة إرسال ترددات “صحيحة”. تخيل معي لو أنك تمر الآن بنوبة كآبة؛ ترفع سماعة الهاتف وتتصل بصديقك المقرب، ألا تُسهم كلماته المطَمْئنة في التخفيف عنك والرفع من معنوياتك، وتجد فيها الدافع لتستعيد طاقتك وتستكمل حياتك؟ المساعدة التي أُسديت إليك في هذه الحالة ليست مادية بل جاءت على هيئة كلماتٍ تبعث على الاطمئنان، وفي المقابل تدفقت هذه المعلومات عبر الموجات الصوتية وترددات الهاتف. هذه هي الصورة التقريبية للطريقة التي تعمل بها أجهزة الطب الكمي؛ إذ تعمد إلى إرسال موجات دقيقة تخاطب خلايانا وتوصل إليها معلوماتٍ تحمِلها الفوتونات. ولتقريب الصورة أكثر يمكن أن نتخيل هذه الترددات مكان الكلام المطَمْئن الذي يقوله لك ذلك الصديق، فيما الفوتونات هي الكلمات بالمعاني المحمّلة بها.

على صعيد آخر، فإن العلاج الكمي وإن كان يعتمد على أجهزة شديدة التطور مثل السيو (Scio) والكوركتوف (Korotkov) والمورا (Mora) واللايف (Life) فهو ليس ميكانيكاً، ذلك أن هذه الآلات لا تعمل من تلقاء نفسها. تشرح ذلك الصحفية والمُحاضِرة ومؤلفة كتاب “الرابط الكمي” (Lien quantique)، لين ماكتغارت (Lynn McTaggart) قائلة: “تحفز هذه الأجهزة قدراتنا على التشافي الذاتي من خلال “التحاور” مع حقل معلوماتنا، غير أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا تحت إشراف طبيب أو معالج”. وهذا التفاعل الذي يغيّر خريطة الطب والصحة لا يتطلب وجود علاقة بين الجسد والروح فحسب بل رابطة قوية بين الروح والمادة.

تقنية الارتجاع البيولوجي (Biofeedback)

وجدَت الصحفية أوديل شابرياك (Odile Chabrillac) نفسها محاطة بإلكترودات (أقطاب كهربائية) وشاشات حواسيب ومخططات بيانية حين سلَّمَت جسدها لجهاز السيو (Scio) المصمم لتشخيص أعطاب الجسد وإعادة التوازن إليه.

“بمجرد وصولي إلى عيادة المعالج بتقنية الارتجاع الحيوي الذي يستعمل جهاز السيو؛ أحد أكثر أجهزة الطب الكمية ذائعة الصيت مؤخراً، تم وَصلي بأسلاك الإلكترودات متصلة بكاحلي ومعصمي وجبيني، فيما أخذت تظهر أمامي على الجدار الأبيض شاشة حاسوب مليئة بالمعلومات والمخططات البيانية. بدايةً، طرح عليّ معالجي أدريان مجموعة من الأسئلة تدور حول عمري وعاداتي الغذائية والصحية وتاريخي المَرضيّ والعمليات التي سبق وأجريتها ومستوى توتري، ثم طلب مني أن أسترخي تماماً ذلك أن الأجهزة تعمد إلى إرسال آلاف (ما يقارب مائة ألف على وجه الدقة) الترددات التصحيحية لجسدي؛ وكأنها أسئلة كثيرة موجه بدقة لخلايا أعضائي لتجيب عنها ولم أشعر بأي شيء عدا وخزات خفيفة.

ينجز الجهاز كَشْفاً جسدياً وشعورياً كاملاً للمريض؛ إذ يعرض بداية بيانات حول الطاقة والضغط الدموي ورطوبة الجسم والأكسجة ومعدل الحموضة والحيوية والتبادل الخلوي وقدرة جسدي على التجدد، وقد كانت النتائج في عمومها ما بين جيدة إلى ممتازة. في المقابل، أظهر الجهاز تعرّضي للتسمم من بعض المواد كالكلور كما كشف المستوى المرتفع من التوتر الذي أعاني منه. أطلَعني المعالج على بعض الرسومات البيانية وشرح لي كيف أنّ من شأن هذا التوتر أن يؤثر بالسلب في غدتي الدرقية ونظام الغدد الصماء الخاص بي بل وبعض فصوص الدماغ؛ كما يرفع من فرص إصابتي بألزهايمر مستقبلاً، ذلك أن هذا الجهاز يختبر كذلك المشكلات التي من المُحتمل أن تصيب المريض أو تهدده.

غير أن أدريان طمأنني أن هذه الأجهزة تعتمد على الاحتمالات لا الحقائق اليقينية قائلاً: ” الأمر أشبه بالنشرة الجوية؛ إذا تنبأت بهطول المطر يُفضل أن تأخذ معك مظلتك وأنت خارج لكن ذلك لا يعني أنها ستُمطر بالضرورة”. قضَى الجهاز ما يقارب الساعة في عملية العلاج من خلال إرساله ترددات صحيحة تصحح تلك الخاطئة؛ وكأنه بذلك يقدم للجسم الأجوبة الصحيحة عن الأسئلة التي سبق وطرحها عليه. لم أشعر بأي شيء في هذه المرحلة أيضاً، وقد دامت الحصة في مجملها قرابة الساعة والنصف. أما ملخص تقرير الجهاز كان:

حياتي وإن كانت صحية جداً، فإني قادرة على تسميمها مجازياً وحرفياً بحالتي النفسية المتردية. المثير للاستغراب في هذا الجهاز أنه يأخذ بعين الاعتبار العوامل الجسدية والبيولوجية كما يضع في الحسبان أيضاً مشاعري وحالتي النفسية والعقلية. وختمَ الجهاز الحصة العلاجية ببعض النصائح والإرشادات التي تلخصت في: شرب المياه بمعدلات أكبر، الحركة، ممارسة اليوغا، تكييف إيقاع حياتي مع تغير الفصول. كما اقترح عليّ جهاز السيو وصفات هوميوباثية (من الطب التجانسي) لتحسين حالتي الجسدية والنفسية والطاقية وتعزيزها. صحيح أني أنهيتُ الجلسة صباحاً وخرجت مُفعمة بالطاقة والحيوية؛ غير أن التعب بدأ ينتابني مساءً واستيقظت في الغد متعبة كما لو أني مارست رياضة بالأمس. أخذت موعداً ثانياً لأراقبَ تطوّر جسدي ومدى استجابته لمجهوداتي في تنزيل تعليمات العلاج في الحصة الأولى”.

المحتوى محمي !!