6 عقد نفسية شهيرة: إليك الأسباب الخفية وراءها

العقد النفسية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يمكن أن تتطوّر أنواع مختلفة من العقد النفسية مثل عقدة النقص أو عقدة الاضطهاد لدى الأفراد لأسباب مختلفة؛ مثل تجارب الطفولة والأعراف الثقافية والضغط الاجتماعي ومشكلات الصحة النفسية. وسواء كنت تواجه مصاعبك الخاصة أو مهتماً ببساطة بمعرفة المزيد عن أنواع العقد النفسية، يكشف لك هذا المقال أبرز أنواع العقد في علم النفس وأكثرها شيوعاً، إضافة إلى الأسباب المحتملة وراء نشوئها.

قد يعلق الأفراد في نمط متكرّر من السلوك أو التفكير، فربما يجدون أنفسهم يسعون باستمرار إلى الحصول على استحسان الآخرين، أو يشعرون بإحساس متأصّل بعدم الكفاءة على الرغم من نجاحاتهم. وتدخل أنماط التفكير والسلوك المستمرّة والمتأصلة هذه في فئة العقد النفسية التي يمكن أن تكون ذات تأثير عميق في حياتهم.

ويشير مؤلف كتاب “عقدك النفسية سجنك الأبدي” والباحث في الطب النفسي الإكلينيكي، الكويتي يوسف الحسني (Yosef AlHasany) إلى وجود أسباب مختلفة ترجع إلى الطفولة وأنواع التربية يمكن أن تسهم في تكوين عقدة الاستحقاق التي يعاني الأفراد بسببها من تدنّي قيمة الذات؛ حيث يرضون بالقليل ويعيشون في علاقات لا تمثلّهم أو تلبّي احتياجاتهم الحقيقية. وسوف نستكشف في هذا المقال أنواعاً أخرى من العقد النفسية وكيفية تطورها.

ما هي العقد النفسية؟

العقدة النفسية (Complex) هي نمط من العواطف والذكريات والتصورّات والرغبات التي يتم تنظيمها في اللاوعي الشخصي حول موضوع مشترك؛ مثل القوة أو المكانة. وتكون هذه الأنماط متجذّرة بعمق في النفس، ويمكن أن تؤثّر بشكل كبير في مواقف الشخص وسلوكياته.

وتُعتبر العقد النفسية مقبولة على نطاق واسع في مجال علم عمق النفس (Depth Psychology)؛ الذي يضم مراجعَ نظرية مهمة تُستخدم في العلاج النفسي والاستشارة.

طُوّر مفهوم العقد النفسية واستُخدم من قِبل العديد من علماء النفس المعروفين؛ بما في ذلك سيغموند فرويد (Sigmund Freud) وكارل يونغ (Carl Jung). وبينما يمكن إرجاع أصول المفهوم إلى عمل فرويد حول العصابية ونظرياته عن اللاوعي، كان يونغ هو الذي طوّر المفهوم لاحقاً؛ إذ اعتقد الأخير أن العقد النفسية جانبٌ أساسي من النفس، ويمكن أن تؤدّي دوراً مهماً في تشكيل شخصية الفرد وسلوكه.

ما أبرز أنواع العقد النفسية؟

عقدة أوديب

استخدم فرويد مصطلح “عقدة أوديب” (Oedipal complex) لوصف الارتباط الجنسي اللاواعي الذي يتكوّن لدى الأطفال الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات أو ما يُعرف بـ “المرحلة القضيبية” (Phallic stage) تجاه أمهاتهم، إضافةً إلى عدائهم تجاه آبائهم؛ حيث تتكون لديهم مشاعر الحسد والغيرة من الأب لأنه موضع اهتمام الأم وعواطفها.

وقد وُجهّ لهذه العقدة العديد من الانتقادات نظراً لأنها تضع الدافع الجنسي وراء السلوك الإنساني. وبحسب التحليل الفرويديّ لعقدة أوديب؛ قد تؤدّي تلك المشاعر إلى تخيّلات التخلّص من الأب وأخذ مكانه إلى جانب الأم؛ كما قد تؤدّي المشاعر العدائية تجاه الأب إلى قلق الإخصاء (Castration Anxiety) وهو الخوف غير العقلاني من قيام الأب بإخصاء الطفل كعقاب له.

وللتغلّب على هذا القلق؛ يتعاطف الابن مع الأب في آخر المطاف، فيبدأ باستيعاب المواقف والخصائص والقيم التي يحملها والده كشخصيته وسلوكياته الذكورية، ويكتسب ما يُعرف بـ “الأنا العليا” (Superego) ويستبدل رغبته في أمّه بالرغبة في نساء أخريات. ويصف مصطلح “عقدة إلكترا” (Electra Complex) الارتباط الجنسي اللاواعي نفسه لكن للفتيات مع آبائهنّ.

وبحسب الخبراء من هيلث لاين (Healthline)؛ إذا لم تُحل عقدة أوديب بنجاح خلال المرحلة القضيبية في الطفولة، فيمكن أن تتطوّر إلى نمط غير صحيّ في العلاقات مسببة انجذاب الشخص إلى شركاء عاطفيين يشبهون الوالد من الجنس الآخر.

عقدة الدونية (الاستحقاق)

إنّ عقدة الدونية (Inferiority Complex)، التي يُشار إليها أيضاً بعقدة النقص أو الاستحقاق، هي حالة نفسية تتميّز بالشعور المستمر بعدم الكفاءة أو عدم الأمان الذي يؤثّر في الحياة اليومية للفرد. وتنشأ هذه المشاعر بناءً على اعتقاده بأنه أدنى جسدياً أو فكرياً من الآخرين، حتى لو لم يكن هذا الاعتقاد عقلانياً أو قائماً على دليلٍ حقيقي.

وقد يختبر الأشخاص الذين يعانون من عقدة الدونية مجموعةً من المشاعر السلبية؛ مثل تدنّي احترام الذات والشكّ بالنفس والإحساس بالعار والقلق، فيتجنّبون المواقف أو الأنشطة التي يرون أنها تهدّد احترامهم لذواتهم أو قيمتهم، أو ينسحبون منها.

وقد يقومون بدلاً من ذلك بالتعويض المفرط (Overcompensation) من خلال المنافسة الشديدة مثلاً، لإثبات قيمتهم وتفوّقهم على الآخرين؛ ما يسبّب تطوّر عقدة النقص لديهم إلى عقدة التفوّق (Superiority Complex) التي تعزز اعتقاد الشخص بأنه أفضل من الآخرين.

ومن الطبيعي أن يشعر الأطفال بالنقص، فذلك من شأنه أن يحفّز النمو والتطوّر لديهم. لكن حين يكون ذلك الشعور طاغياً في مرحلة الطفولة بسبب التعرّض للإساءة أو نقص الحنوّ، فمن المحتمل أن يتطوّر بطرائق غير صحية في مراحل لاحقة من عمر الطفل. وقد يكون الرجال أكثر عرضة لعقدة الدونية، وبخاصة في علاقاتهم العاطفية، نتيجة التوقّعات المجتمعية الذكورية السامة.

عقدة الاضطهاد

يعتقد الأشخاص المصابون بعقدة الاضطهاد (Persecution Complex) أن شخصاً أو مجموعة من الناس تحاول إيذاءهم أو تهديدهم أو التآمر عليهم بطريقة ما. ويرتبط ذلك غالباً باضطرابات الشخصية المصحوب بجنون العظمة؛ مثل الاضطراب الوُهامي أو الضلالي (Delusional Disorder).

وتصاحب هذه الحالة مجموعة من الأفكار الوهمية والهلوسات، وقد تشمل الأوهام الخيالية المرتبطة بالظواهر الخارقة للطبيعة؛ حيث يميل الأشخاص إلى تفسير الأحداث اليومية العادية من خلال روايات مفصّلة حول مَن يحاول إيذاءهم والسبب الذي يجعلهم أهدافاً لمثل هذه المؤامرات.

وعلى الرغم من عدم وجود أدلة تدعم معتقدات الشخص الذي يعتقد أنه يتعرّض باستمرار لسوء المعاملة أو الاضطهاد من قبل الآخرين؛ لكنه قد يعاني من اضطرابات القلق أو اضطراب الوسواس القهري (OCD).

اقرأ أيضاً: عندما يختلط الخيال بالواقع: كل ما تود معرفته عن التفكير الوهمي

عقدة الذنب

عقدة الذنب (Guilt Complex) هي اعتقاد الشخص الدائم بأنه قد ارتكب خطأً أو سيُقدم على خطأ؛ ما يعزز شعوره بالذنب والعار والقلق. ويرتبط الشعور المفرط بالذنب ببعض مشكلات الصحة النفسية؛ مثل الاكتئاب والوسواس القهري واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). وتشمل بعض العلامات التي تصاحب عقدة الذنب ما يلي:

  • القلق.
  • الأرق.
  • الانشغال بأخطاء الماضي.
  • اضطراب المعدة.
  • الندم.
  • التوتّر العضلي.
  • البكاء.

كما يمكن أن تؤدّي عقدة الذنب إلى الشعور بالقلق والاكتئاب والتوتّر، فيعاني الشخص من صعوبة النوم وفقدان الاهتمام والإرهاق وصعوبة التركيز والانسحاب الاجتماعي. ويصَعّب ذلك عليه تحقيق أهدافه وعثوره على دعم اجتماعي قوي، وقد يدمّر علاقاته الشخصية أيضاً، ذلك أن الشعور بالخزي والعار يعزل الشخص بمرور الوقت، وقد يجعله ينخرط في سلوكيات لمعاقبة نفسه.

ويشير الخبراء من هيلث لاين الطبي (Healthline) إلى عوامل مختلفة يمكن أن تسهم في تكوّن عقدة الذنب؛ ونلخّصها كالتالي:

  • القلق الذي يسبب التقييم الذاتي السلبي.
  • تجارب الطفولة المرتبطة بتلقّي اللوم أو الشعور بالذنب.
  • مخالفة الأعراف الثقافية أو دعمها.
  • الضغط الاجتماعي وأحكام الآخرين.

عقدة الشهيد

يستخدم علماء النفس مصطلح “عقدة الشهيد” (Martyr Complex) لوصف شخص يختار أن يؤدّي دور الضحيّة، فيضحّي باحتياجاته الخاصة لإرضاء الآخرين.

وفي حين أن الضحايا الحقيقيين قد يكونون عاجزين وخاضعين للسيطرة، فغالباً يمتلك البالغون الذين لديهم الاعتمادية المشتركة (Codependency) أو عقدة الشهيد خيارات أخرى تمكّنهم من اختيار العيش بشكل مختلف.

ومع ذلك، تؤكّد المعالجة النفسية شارون مارتن (Sharon Martin) إن الأشخاص الذين يعانون من هذه العقدة يمكن أن يشعروا بالفعل بأنهم محاصرون وعاجزون.

ويمكن أن تتطوّر عقدة الشهيد عندما تشجّع الأسر أو الثقافات سلوك التضحية وتقدّره وتتوقّعه، وبخاصة عند النساء؛ كما قد يتعلّم الأطفال إعطاء الأولوية لاحتياجات الآخرين على حساب احتياجاتهم الخاصة داخل البيئات الأسرية التي لا يشعرون فيها بالارتياح أو تهمل احتياجاتهم.

نذكر قصة متخيّلة للتوضيح أكثر: نشأ سامي في أسرة حيث تجعل والدته كل شيء يتمحور حولها، حتى عندما يكون سامي منزعجاً. وقد تعلّم هذا الطفل نتيجةً لذلك أن احتياجات والدته أهم من احتياجاته، ويجب عليه الاعتناء بها لكسب حبّها. كما أنه استمر في إعطاء الأولوية لاحتياجات الآخرين كشخصٍ بالغ، لأنه يشعر بالذنب ويخشى الرفض إذا كان يزعج الآخرين. وبمرور الوقت، أصبحت مشاعره الخفيّة تظهر على شكل استياء أو سلوك عدواني سلبي.

عقدة التفوّق

عقدة التفوق (Superiority Complex) هي حالة نفسية يتصرّف فيها الشخص وكأنه أفضل من الآخرين لتجنُّب الشعور بعدم الأمان، ويكون ذلك غالباً نتيجةً للتعويض المفرط عن مشاعر الدونية.

وقد يبالغ الأشخاص المتأثّرون بهذه العقدة في إظهار إنجازاتهم أو قدراتهم، ويقارنون أنفسهم بالآخرين، ويرفضون آراءَهم أو إسهاماتهم.

كما أنهم قد يبالغون في ردود أفعالهم تجاه المواقف التي تثير شعورهم بعدم الأمان، ويحطّون من قدر مَن هم أفضل منهم. ويُعتقد أن الناس بمعظمهم منحازون لأنفسهم، ويعتبرون أنهم متفوّقون على الأشخاص العاديين.

وتقول الكاتبة والطبيبة النفسية إيمي داراموس (Aimee Daramus): “لدى بعض الأشخاص عقدة تفوّق حول مسألة واحدة مثل مظهره أو موارده المالية، بينما تمثّل محاولة الظهور بشكل أفضل من الباقين أكثر سمات الشخصية المهيمنة لدى أشخاص آخرين”.

استُخدم مفهوم عقدة التفوق لأول مرّة من قِبل عالم النفس النمساوي الذي أسس مدرسة الفكر المعروفة باسم “علم النفس الفردي” (Individual psychology)، ألفريد أدلر (Alfred Adler). ووفقاً له، فإن التنشئة في الطفولة وحالات الصحة النفسية من الأسباب المحتملة لتكوين عقدة التفوق.

اقرأ أيضاً: كيف تتخلص من عقدة الخوف من المفاجآت غير المتوقعة؟

ما الذي يسبّب العقد النفسية؟

تنشأ العقد النفسية وفقاً للمحلّل النفسي والمؤلف الأميركي بود هاريس (Bud Harris)؛ نتيجة التجارب التي مررنا بها في حياتنا والتي ترتبط بمشاعر قويّة مثل الحبّ أو الكراهية أو الفرح أو الغضب.

وقد تشمل تلك التجارب الأحداثَ الصادمة أو التحوّلات المهمّة في الحياة أو العلاقات الشخصية الصعبة فتترك مشاعرَ معقّدة عن غير وعي؛ كما يمكن أن تنشأ العقد من التجارب التي لم تكن بالضرورة سلبية ولكنها كانت بارزة بما يكفي لترك تأثير عاطفي دائم.

ويؤكّد المختص النفسي يوسف الحسني ارتباط نشوء العقدة النفسية بتجارب الطفولة مشيراً إلى السبب الكامن وراء عقدة الاستحقاق على سبيل المثال؛ والمتمثّل في سوء في التربية الذي يمكن أن يشمل سلوكيات كالإهمال أو الانتقاد أو المقارنة أو الحب المشروط أو التدليل المفرط من قبل الأب أو الأم، وكلّها عوامل من الممكن أن تسهم في تكوين هذا النوع الشائع من العقد.

اقرأ أيضاً: كيف يمكننا التعايش مع الشعور بالذنب؟

وفي الختام، يمكن أن يكون للعقد النفسية تأثير عميق في أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا، فتشكّل تصوّراتنا عن أنفسنا والعالم من حولنا. وسواء كانت عقدة التفوق أو عقدة الشهيد أو عقدة الذنب، يمكن أن تتطوّر جميعها إلى أنماط تفكير وسلوك مشوّهة وغير صحية. لذلك من المهمّ أن نتعرّف إليها ونتحرّر من المعتقدات والسلوكيات المقيدة التي تعيقنا، ونتقدّم نحو حياة أكثر إرضاءً.

المحتوى محمي !!