ما سبب عجزنا عن إتمام عمل بدأناه بحماسة شديدة؟

العجز عن إتمام المهام
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل تجد نفسك تنتقل من مشروع إلى آخر في حياتك المهنية والشخصية دون إنهاء أي من هذه المشاريع التي بدأت العمل عليها بحماسة؟ وهل تساءلت عن سبب العجز عن إتمام المهام؟ من خلال السطور التالية نحاول أن نقدم لك الإجابة عن هذا السؤال ونساعدك على حل هذه المشكلة.

لمَ لا نتمكن من إنهاء ما نبدأ به؟

إن عدم إنهاء الفرد أي مشروع يبدأ به يعني أنه يعيش خارج حدود الزمن ويتجاهل قوانينه، ويرى مختص التحليل النفسي سيرج فالون أن هذا السلوك هو امتداد لوهم القدرة المطلقة الذي ينشأ في مرحلة الطفولة؛ حيث كان الطفل يظن أنه لا حدود لإمكانياته. ووفقاً لفرويد، فإن تجاهل الزمن يرجع إلى اللاوعي؛ إذ يشير عجز الفرد عن وضع موعد نهائي لعمل ما والالتزام به إلى تعرضه لحدث في الماضي ما زال يلقي بتأثيره في حياته حتى اليوم. ولأنه فشل في تجاوز هذا الحدث والمضي قدماً، فقد أصبح يسوّف في كل أعماله اللاحقة، وهو أمر يؤدي إلى إضعاف الحافز لديه.

الهروب من الواقع

يمثل إنجاز عمل ما لحظة الحقيقة بالنسبة للفرد، ويفرض عليه مواجهةً مع الواقع سيتعرف من خلالها إلى نتائج عمله هذا، لذلك فإن بعض الأشخاص لا ينهون عملاً بدؤوا به هرباً من هذه المواجهة والمسؤوليات المترتبة عليها. وتوضح عالمتا النفس ومؤلفتا كتاب “لا تأخير بعد الآن” (Comment ne plus être tard)، جين بوركا ولينورا يوين، أن الفرد في هذه الحالة يحاول الهروب من مواجهة مقدراته الحقيقية قبل كل شيء، وهي آلية يستخدمها الأشخاص الذي يسعون نحو الكمال حفاظاً على الصورة التي رسموها لأنفسهم؛ والمتمثلة بالبراعة المطلقة والمقدرات غير المحدودة. إنها طريقة تعبّر عن حب مفرط للذات ورغبة في حمايتها من أي خيبات أمل محتملة.

الفرق بين الأهداف والرغبات

يمثل العجز عن إتمام عمل ما عائقاً كبيراً للفرد في حياته المهنية. هل تتذكر مثلاً زميلك الذي أعلن منذ عام عن تحوّل وشيك في حياته المهنية وما زال يعمل في مكتبه ذاته حتى اليوم؟ أو ذاك الذي يغرق دائماً في الملفات الموكلة إليه دون أن ينهي أياً منها؟ وتوضح عالمة التحليل النفسي المختصة في التدريب على الأعمال، سيغولين كولونا، أن العجز عن إتمام عمل ما يرجع غالباً إلى الخلط بين الأهداف والرغبات؛ إذ تنشأ الرغبات لدى الفرد بصورة مستمرة دون أن تستند إلى أساس موضوعي، وذلك على عكس الأهداف التي تستند إلى ركائز متينة بالضرورة.

وتضيف المختصة أن هنالك عاملاً آخر وهو سوء تقدير الموظف لمهاراته”، وهو أمر قد تساهم فيه الشركة التي يعمل لديها أيضاً عندما لا تضع حدوداً واضحة لمنصبه الوظيفي. وبسبب عجزه عن تحديد مجال مسؤولياته الوظيفية، فإنه يشعر بالضغط ويضطر إلى التخلي عن بعضها، فيلومه من حوله على تقصيره الأمر الذي سيعزز شعوره بعدم الثقة بالنفس.

الهروب من الموت

وفقاً لمختصي التحليل النفسي، فإن الفرد يربط فكرةإنهاء العمل بصورة واعية إلى حد ما بمفهوم الموت. ولكن كيف ذلك؟ إن إنهاء عمل ما يحيي لدى الفرد “قلق الانفصال” لأن إتمام المشروع يعني الانفصال عنه والانتقال إلى مشروع جديد وهو أمر مؤلم بالنسبة لأولئك الذين لم يتمكنوا من تجاوز محن الانفصال التي واجهوها في مراحل مبكرة من حياتهم؛ بما فيها الفطام أو حتى غياب الأم. ولذلك فإن الأشخاص الذين لم يتجاوزا هذه الصدمة، سيسعون في سن الرشد إلى الهرب من أي حدث سيذكرهم بها،

فعدم إتمام العمل إذاً هو آلية يستخدمها الفرد في هذه الحالة لتجنب الشعور بالفقد، ومحاولة لتأجيل بدء مشروع جديد أيضاً خوفاً من الخوض في المجهول.

كيف يمكننا التعامل مع هذه المشكلة؟

ضع خطةً محددةً

يتطلب تنفيذ أي عمل التزامَ نهج منطقي، لذلك ضع قائمةً بجميع المشاريع المحتملة ثم اختر منها مشروعاً واحداً فقط يتلاءم مع مهاراتك، وادرس اختيارك بعمق من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية: ما ماهية هذا المشروع بالضبط؟ وما الخطوات التي يستلزمها تنفيذه؟ وكم من الوقت سيستغرق العمل عليه؟ وبهذه الطريقة ستتخلى عن الأهداف غير المنطقية، وستتجنب العوائق المرافقة لها التي ستحد من عزيمتك.

حافظ على مسارك

على الرغم من أن المرء يشعر بالحماسة عند وضع خطة العمل، فقد يشعر بعد البدء به بأنه يحيد عن المسار الذي رسمه لنفسه، لذلك يمكن استخدام التقويم كأداة فعالة لحل هذه المشكلة حيث يمكنك أن تحدد عليه الأهداف اليومية التي يجب إنجازها ومن ثم ستتعلم كيفية إدارة وقتك بصورة أفضل، كما ستتمكن من متابعة التقدم المحرز ومعرفة الصعوبات التي تغلبت عليها بالفعل.

تخيل النتيجة النهائية لمشروعك

سل نفسك: كيف سيغير هذا النجاح حياتي؟ وما الفوائد المادية والمهنية والشخصية التي سأجنيها منه؟ تساعد الإجابة عن هذين السؤالين على خلق حافز كبير لديك، وتتيح لك رؤية أهدافك بطريقة أوضح.

كافئ نفسك بعد إنجاز العمل

كما ذكرنا سابقاً؛ تتميز مرحلة وضع خطة العمل بالكثير من الحماسة ولكنها قد تتحول إلى حالة من الملل عند البدء به، ولتجنب هذه المشكلة يقترح المدربون أن تَعد نفسك قبل البدء بالعمل بمكافأة عند إتمامه كتتويج لنجاحك، وحتى إن لم تخرج في إجازة فإن أخذ استراحة لبضعة أيام على الأقل سيتيح لك تذوق النجاح الذي حققته والتفكير في مشروعك القادم دون ضغوط.

كيف تدعم شخصاً يعجز عن إتمام أعماله؟

في معظم الأحيان نشير إلى إخفاقات الشخص أكثر من نجاحاته وكأن هذه النجاحات مسلم بها. وفي الحقيقة عندما نستحضر له المشاريع التي تخلى عنها لنحاول فهم سبب سلوكه هذا فإننا نعزز بذلك شعوره بالتردد وضعف الثقة بالنفس، لذا فإنه علينا أن نذكره بالتقدم الذي أحرزه بالفعل وهو الأمر الوحيد الذي سيُشعره بالرضا عن نفسه ويحفزه لمواصلة السعي نحو تحقيق هدفه، فهو لا يفتقر إلى الإرادة بل إلى رؤية هدفه بوضوح.

وبدلاً عن سؤاله أسئلةً من قبيل: “لمَ تستسلم مجدداً الآن؟”، فإنه بإمكاننا استخدام صيغة تشجعه على تخيل المستقبل، مثلاً: “ما الوسائل التي ستستخدمها لتنفيذ هذا المشروع؟”.

تقول أمل ذات الـ 30 عاماً وهي مترجمة: “أعمل بجدية تامة على النص المكلفة به لأشهر إلى أن يأتي الأسبوع الذي يسبق تسليم العمل؛ إذ يصبح إنهاؤه تحدياً حقيقياً بالنسبة إليّ، حتى لو كنتُ ملزمةً بموعد نهائي. لجأتُ إلى مختص في التحليل النفسي وقد ساعدني على فهم سبب مشكلتي هذه، ففي الأسابيع الأخيرة من حملي هرعتُ في إحدى المرات إلى المستشفى ظناً مني أنني كنت على وشك الولادة

وعندما فحصني الأطباء قالوا لي أنني لست جاهزةً بعد وأرسلوني إلى المنزل، ثم تكرر الأمر عدة مرات. لقد كنت أشعر بتناقض داخلي بين رغبتي في الولادة ورغبتي في “الاحتفاظ بطفلي”، وهذا سبب حدوث المخاض الكاذب، وبفضل العلاج تخلصتُ من آثار حالة التناقض هذه”.

المحتوى محمي !!