كيف تؤثر نوعية طعامنا في جودة نومنا؟

جودة نومنا
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ما مدى تأثير الأغذية التي نتناولها في جودة نومنا؟ وما الأطعمة التي تحسّنها؟ التقينا مختصَّين لنتعرف إلى تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع.

“أتجنب تناول النشويات على العشاء، أو أفوّت وجبة العشاء لأنعم بنوم هادئ”، ثمة الكثير من الأفكار السائدة الخاطئة عن الطعام الذي يجب تناوله أو تجنبه قبل النوم، فنحن بحكم العادة أو نقص المعرفة نتناول الكثير من الأطعمة التي تؤثر سلباً في جودة النوم، في حين أننا نتجنب أخرى تساعد على تعزيزها. من المسلَّم به أن النظام الغذائي الرديء ليس السبب الوحيد للأرق ولكن قبل أن تفكر في تغيير الفراش غير المريح أو الانتقال إلى منزل آخر لتتخلص من الجيران المزعجين، أو الأسوأ من ذلك ابتلاع الأدوية المنومة، لمَ لا تبدأ بأبسط الأمور؛ أي إعادة النظر في العناصر الغذائية التي تتناولها؟

يفرز الدماغ تبعاً للوقت من اليوم موادَ كيميائيةً ونواقلَ عصبيةً كالسيروتونين والميلاتونين والدوبامين والإندورفين وغيرها، وهي تؤثر في أعضاء الجسد جميعها وفي الحالة الفيزيولوجية والنفسية أيضاً. يمكن لبعض هذه النواقل مثلاً أن يؤدي إلى تسارع معدل ضربات القلب بغية زيادة الانتباه واليقظة، في حين ينظم بعضها الآخر عملية التمثيل الغذائي ما يعزز الاسترخاء ويساعد على الاستغراق في النوم. ومن المهم معرفة أن بعض العناصر الغذائية الموجودة في الأطعمة التي نتناولها تعمل على تخليق بعض هذه النواقل العصبية.

خذ مثلاً مادة الكافيين الموجودة في المنبهات الرئيسة مثل القهوة والشاي والمشروبات الغازية؛ إذ إنها تعزز إفراز الدوبامين والنورأدرينالين وهما ناقلان عصبيان يجعلانك أكثر تحفزاً ونشاطاً ويستمر تأثير الكافيين في الدماغ لما يصل إلى 6 ساعات بعد استهلاكه، ولهذا يُستحسن عدم تناول المشروبات التي تحتوي عليها بعد الساعة الخامسة مساءً.

ولتحظى بنوم أفضل؛ يجب أن تتناول الأطعمة التي تحفز إنتاج الميلاتونين المعروف أيضاً باسم هرمون النوم والذي يُعرف أيضاً بقدرته على تنظيم الساعة البيولوجية، وهو يُفرَز استجابةً لغياب الضوء ويُصنّع من السيروتونين، ويُشتق من الحمض الأميني الأساسي المسمى التربتوفان.

ركز على تناول الكربوهيدرات مساءً وتجنب البروتينات

باختصار؛ يحفز التربتوفان إفراز الهرمونات المهدئة التي تسهل النوم وتعزز جودته وهو موجود في العديد من الأطعمة مثل الموز والحليب ولحم الديك الرومي والأناناس والبيض والتمر والمكسرات والخس. يوضح طبيب التغذية ومؤلف كتاب “أفضل مائة طعام لصحتك وصحة الكوكب” (Cent Meilleurs Aliments pour votre santé et la planète)، لوران شوفالييه (Laurent Chevallier) قائلاً: “يمكن تناول هذه الأغذية خلال إحدى الوجبات الثلاث من أجل الحصول على المستوى الأمثل من السيروتونين”.

لكن التربتوفان وحده غير كافٍ، ويضيف مختص التغذية الطبيب جان بول كورتاي (Jean-Paul Curtay) قائلاً: “لكي يمتصه الجسم على أكمل وجه يجب دمج التربتوفان مع المغنيزيوم وفيتامين ب 6″. احرص على إضافة المأكولات البحرية والأسماك والمكسرات واللوز والمياه الغنية بالمعادن إلى قائمة الغداء أو العشاء قدر الإمكان، وينصح المختص بتناول قطعتين من الشوكولاتة الداكنة التي تحتوي على 80% كاكاو، ويفضَّل أن يكون ذلك خلال النهار لأنها منشطة. يسهم المغنيزيوم وحمض أوميغا 3 في تعزيز الأداء السليم للدماغ لأنهما يزيدان من حساسية مستقبلات النواقل العصبية، ومن الأغذية الغنية جداً بهما: الأسماك الدهنية وزيت بذور اللفت وبذر الكتان.

ويوصي لوران شوفالييه باتباع نظام غذائي عالي الجودة مساءً، غني بالكربوهيدرات ذات المؤشر الغلاسيمي المنخفض وتجنب البروتينات التي تزيد اليقظة؛ ما يعزز جودة النوم”. ومن الأغذية الغنية بالكربوهيدرات بطيئة الامتصاص والاستقلاب: المعكرونة والحبوب مثل الأرز البني أو شبه البني والكينوا والحنطة السوداء والبرغل والبقوليات (الفول، والبازلاء، والعدس)، والخضار والفاكهة الطازجة، والهدف من تناول هذه الأغذية هو رفع مستوى الأنسولين على نحو طفيف ما يمنح تأثيراً مهدئاً. يقول الطبيب العام المتخصص في التغذية ومؤلف كتاب “أسرار التغذية الدقيقة” (Secrets de la micronutrition)، برتراند جورينو (Bertrand Guérineau): “لا يمكن تصنيع السيروتونين دون الأنسولين”، وينصح الأشخاص الذين يعانون فرط الانفعال والقلق بإشباع رغباتهم الشديدة في تناول الحلوى عندما يشعرون بذلك ولكن دون إفراط.

من جهة أخرى يجب التقليل من تناول الكربوهيدرات ذات المؤشر الغلاسيمي المرتفع كالخبز الأبيض والأرز الأبيض والحبوب المكررة أو السكرية والكسكس والتابيوكا والمعجنات الصناعية وشوكولاتة الحليب والسكر، فهي ترفع مستويات الأنسولين بشكل كبير ما يؤدي إلى اضطراب النوم وتخزين الدهون في الجسم. ويقول لوران شوفالييه: “لكن لا مانع من تناول قطعة صغيرة من فطيرة منزلية الصنع بعد تناول طبق من الأطعمة النشوية؛ إذ إن تناول القليل من السكر يساعد على الاسترخاء”. أخيراً لتنعم بنوم هادئ؛ تجنب تناول اللحوم الحمراء مساءً لأنها تحتوي على التيروزين وهو حمض أميني يثبط امتصاص التربتوفان ويعمل كمحفز.

الأطعمة التي تحسّن جودة النوم

تعمل بعض الأطعمة على إبطاء عملية الهضم وزيادة درجة حرارة الجسم ما يؤدي إلى تأخير النوم والتسبب في الأرق، ومن أمثلتها: الأطعمة الغنية بالتوابل والأحماض الدهنية المشبعة (كالأجبان والصلصات والأطعمة المقلية، واللحوم الدهنية وغيرها) والأحماض الدهنية غير المشبعة (كالمعجنات والكعك الصناعي).

وليعمل الجهاز الهضمي على نحو سليم فمن الأفضل عدم تناول الطعام في وقت متأخر مع احتساب ساعتين بين نهاية الوجبة والذهاب إلى النوم. ويقول لوران شوفالييه: “انخفض معدل عدد ساعات النوم بواقع ساعة ونصف عما كان عليه قبل 100 عام، ويؤثر هذا سلباً في عملية الاستقلاب وبخاصة استقلاب الدهون”. وقد كشفت دراسة أميركية أجرتها الطبيبة أرليت نيدلتشيفا (Arlet V. Nedeltcheva) مع آخرين ونُشرت في مجلة “دوريات الطب الباطني” (Annals of Internal Medicine).

أن نقص عدد ساعات النوم يضعف من تأثير الحميات الغذائية التي تهدف لإنقاص الوزن ويصعِّب عملية فقدان الدهون من الجسم.

تجنب شرب كميات وفيرة من المياه قبل النوم. يقول لوران شوفالييه: “قد يتناول بعض الأشخاص المياه بكميات وفيرة ظناً منهم أن ذلك يساعد على ترطيب الجسم وتحسين عملية الهضم وتقليل الشعور بالجوع ليلًا. ولكن على العكس تماماً؛ يؤدي تناول كميات كبيرة من المياه إلى ازدياد عدد مرات الاستيقاظ خلال الليل للتبول ومن ثم ينهض الشخص صباح اليوم التالي منهكاً تماماً”.

من الضروري الاستعداد للنوم الهانئ ليلاً ابتداءً من وجبة الإفطار ويقول جان بول كيرتاي: “من المستحسن تجنب تناول الزبدة والمعجنات على الإفطار واستبدالها بالبيض والجبن ودقيق الشوفان أو حليب الصويا الغني بالكالسيوم؛ إذ تحتوي هذه البروتينات الحيوانية أو النباتية على أحماض أمينية تعزز إفراز الناقلات العصبية في أثناء النهار”. ويضيف لوران شوفالييه أن تناول العسل في الصباح يحفز إنتاج التربتوفان في المساء ويحسّن تخليق السيروتونين”.

النباتات والمكملات الغذائية التي تحسّن جودة النوم

وفقاً لمختص التغذية جان بول كورتاي فإننا نتناول وسطياً 240 مغ من المغنيزيوم يومياً في حين أن الكمية الموصى بها هي 400 مغ. يسبب الإجهاد فقدان المغنيزيوم عن طريق البول وهذا النقص هو السبب الرئيس لاضطرابات النوم، ويوضح المختص أن المغنيزيوم ذا المنشأ البحري هو الأفضل ممزوجاً مع مجموعة فيتامينات ب (ب 6 أو ب 9 أو كليهما)، ويمكن البدء بتناول كبسولتين يومياً (300-400 مغ) مع الوجبات، وفي حالات الإجهاد الشديد يمكن البدء بتناول 3 كبسولات يومياً ويستمر العلاج لشهرين أو أكثر. فيما يتعلق بالنباتات، توصي مختصة العلاجات الطبيعية باربرا بوتري (Barbara Boutry) باستخدام زهرة الآلام وحشيشة الهر المعروفتَين بخصائصهما المهدئة، إلى جانب الزعرور أو بلسم الليمون الذي يعمل على تهدئة الجهاز القلبي الوعائي وتحسين عملية الهضم، وتساعد زهرة إيشولزيا على الاسترخاء الفوري والحد من الاستيقاظ الليلي ويمكن تناول هذه النباتات بشكل شاي عشبي، أومكملات غذائية جاهزة في الصيدليات.

المحتوى محمي !!