شفاؤك من المعاناة النفسية يبدأ بتقبل ذاتك

المعاناة النفسية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تكشف دراسة علمية لجامعة تورونتو في كندا أن العلاج الناجح للاكتئاب هو الذي يحفز مناطق مختلفةً من الدماغ، سواء عبر العلاج النفسي أو عبر تناول أدوية مضادة للمرض. إن عقولنا وتدفقات تفكيرنا وتقلبات أمزجتنا تنطوي على مجموعة واسعة من الأفكار وهالات الطاقة. بعض هذه الأفكار يسبب لنا المعاناة النفسية، وبعضها يريحنا، ويقوم الشفاء ببساطة على السماح لبعض أفكارنا أو لبعضٍ من هذه الطاقة الإيجابية، أن يتغلب على البعض الذي يخنقنا.

يتذكّر عمر عنف والده المدمن على الكحول، وما يزال يستحضر بوضوح تام الضربات التي كانت تتلقاها والدته، ويسمع صوت والده الخشن وشتائمه. وعلى الرغم من رغبته الشديدة في إنجاب طفل؛ فإنه لا يستطيع فعل أيّ شيء من أجل وقف استحضار هذه الذكريات السيئة. ويحتفظ عمر من هذه الفترة بشعور عميق بالعجز، يكبّله عندما يكون بصدد مواجهة زميل له في العمل أو مناقشة مديره. ومع ذلك، يعرف عمر أنه لم يعد اليوم ضعيفاً إلى هذه الدرجة، وأنه لن يتعرض لأيّ عنف في عمله وأن رأيه سيحظى بالاحترام، ويدرك أيضاً أنه أصبح الآن شخصاً راشداً، ويستطيع حماية أبنائه، وأنه يتحدث إلى زوجته دون عنف حتى في حالة النزاع. وعلى الرغم من استشارته للمعالج النفسي بسبب وعيه بأن هذا الشعور بالعجز لم يعد مقبولاً؛ لكنه يعيش هذه التجربة كلها وكأنها ليست جزءاً من شخصيته، مع أنه يمكن أن يُشفى منها.

وتعاني غزل من الاكتئاب، ولم تعد لديها رغبة في الاستيقاظ صباحاً، فزملاؤها في العمل يضايقونها، وأصبحت تفقد أعصابها بسهولة أمام أطفالها، ولم تعد تستمتع بتناول وجبة الغداء مع صديقتها المفضلة؛ كما أن الذهاب إلى السينما أصبح مملاً بالنسبة إليها، وباتت تجد صعوبة في النوم. لم تعد تبتسم إلا نادراً، وإذا فعلت ذلك فإن إشراق ابتسامتها لا يدوم، وتشعر في هذه اللحظات القصيرة بالرغبة في الطاقة النابعة من هذه الابتسامة؛ لكنها سرعان ما تستسلم للمضايقات والتثبيط والسخرية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الطاقة التي يمكن أن تشفيها موجودة وكامنة بداخلها.

إن عقولنا وتدفقات تفكيرنا وتقلبات أمزجتنا تنطوي على مجموعة واسعة من الأفكار وهالات الطاقة. بعض هذه الأفكار يسبب لنا المعاناة النفسية، وبعضها يريحنا، ويقوم الشفاء ببساطة على السماح لبعض أفكارنا أو لبعضٍ من هذه الطاقة الإيجابية، أن يتغلب على البعض الذي يخنقنا.

العلاج الناجح للاكتئاب

وتكشف دراسة علمية لجامعة تورونتو في كندا أن العلاج الناجح للاكتئاب هو الذي يحفز مناطق مختلفةً من الدماغ، سواء عبر العلاج النفسي أو عبر تناول أدوية مضادة للمرض (غولدابل وآخرون، “أرشيف الطب النفسي العام”، يناير/ كانون الثاني 2004) (K. Goldapple et collab; “Archives of Genenral Psychiatry”; Janvier 2004). فعندما تحفّز طريقة العلاج النفسي أفكار السكينة والهدوء والتسامح في أدمغتنا، لتهيمن على أفكار المعاناة النفسية التي يحملها ماضينا، تُظهر صور الماسح الضوئي المقطعي البوزيتروني، حسب هذه الدراسة، نشاطاً في المنطقة المسؤولة عن الإدراك في الدماغ؛ وكأن هذه المنطقة هي التي يمكنها أن تدعم الأفكار الإيجابية. وعندما تسمح مضادّات الاكتئاب باسترجاع المزيد من الرغبة والحماس والانسجام مع طاقتنا الداخلية التي ننساها أحياناً، فإن الصور تُظهر أن المنطقة المسؤولة عن العواطف في الدماغ هي التي تبدو أكثر نشاطاً؛ وكأنها تتمكن بعد الخضوع للعلاج من استرجاع بعض أشكال الارتياح والسرور.

هناك إذاً سُبُل عديدة نسلكها نحو العلاج، ورؤية هذه السُبُل ترتسم أمامنا تحت أضواء الماسح الضوئي أمرٌ مطمئن جداً. وسواء عُزّزت فكرة جديدة أو استُرجعت طاقة معينة، فإن الأمر يتعلق في الأحوال كلّها بإعادة الارتباط بجانب من شخصياتنا وتقويته؛ إنه جانب قديم كان دائماً جزءاً منّا. يتعلق الأمر إذاً بإعادة الارتباط بالذات، وكما هي الحال في العلاقات كلها، فإن علينا أن نعرف كيف نغذي هذه العلاقة الجديدة بيننا وبين هذا الجانب من شخصياتنا، وينبغي، مثلما هي الحال في العلاقات العاطفية، أن نعرف كيف نتعايش معه ونقدّره ونعزّزه؛ إذ نادراً ما يكفي الوعي بالاضطراب الذي نعاني منه أو أخذ علاج واحد بالأدوية من أجل التعافي بشكل نهائي. ولهذا علينا جميعاً أن نتعلم كيف نكتشف أولاً، ثم نعزّز ثانياً هذا الجانب الذاتي من شخصياتنا، فهو الذي سيسمح لنا بالشفاء.

تعزيز المشاعر الإيجابية

هناك وسائل بسيطة تساعدنا في الحفاظ على نشاط هذه المناطق الدماغية التي يمكن أن تُشعرنا بالارتياح، فعندما نشعر بثقة أكبر في النفس، من المفيد أن نبحث حولنا عن بعض الإشارات الإيجابية (صديق يمدحنا أو قصة تثبت صحة اختياراتنا) بدلاً من أن نظل حبيسي ما يمكن أن يزيد معاناتنا النفسية؛ إذ يمكن تعزيز عواطفنا الإيجابية عن وعي. ويقترح ممارسة العديد من التمارين التي تركز على العواطف الإيجابية، وأخذ الوقت الكافي من أجل تعزيزها في النفس، والتمهّل في اختبارها، فيمكننا على سبيل المثال اختيار ذكرى جميلة والتركيز عليها عندما نشعر بأننا ننزلق نحو التوتّر.

المحتوى محمي !!