المطبخ أم الحمام أم غرفة النوم: أين تشعر بالسلام النفسي في المنزل؟

السلام النفسي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يقول أحدهم: “يبدأ كل شيء في الصباح الباكر بعد اصطحاب ابني إلى الحضانة؛ حيث آخذ استراحتي الأولى على طاولة المطبخ”. ويقول آخر: “أسمع الناس في كثير من الأحيان يتحدثون عن منازلهم بقول شيء على غرار: ’بيتي الدافئ‘ أو ’عُشي الصغير‘؛ لكنني لست من النوع الذي يتعلَّق بالمكان الذي يعيش فيه بهذا الشكل، لسبب وحيد وهو أنني لا أهتم سوى بغرفة المكتب”. وتقول إحداهنّ: “عندما كنت ما أزال طفلة صغيرة، كنا نعيش في بيت ريفي صغير. كانت غرفتي تحتل طابقاً كاملاً وقد أقدمتُ ذات مرة على إعادة طلاء جدرانها وتغيير ترتيب الأثاث ليلاً لأنها تمثل عالمي الخاص”. يهرع البعض إمّا إلى المطبخ أو غرفة المكتب أو غرفة النوم لكي يعيد شحن طاقته. فهيا بنا نأخذ جولة في الحياة الخاصة لخمس شخصيات مختلفة، لنتعرف إلى الأماكن التي تشعر فيه كلٌّ من هذه الشخصيات بالسلام النفسي.

يهرع البعض إمّا إلى المطبخ أو غرفة المكتب أو غرفة النوم أو حتى الحمام لكي يعيد شحن طاقته. قد تبعث هذه الأماكن على الشعور بالسلام النفسي ولكن البعض يعتبرها أيضاً الركن الأفضل للعمل والإبداع، فهيا بنا نأخذ جولة في الحياة الخاصة لخمس شخصيات مختلفة.

صباح، كاتبة: “يمنحني مطبخي الشعور بدفء الأمومة ويذكّرني بمرتع الصبا وحياة اللهو في أيام الطفولة”

يبدأ كل شيء في الصباح الباكر بعد اصطحاب ابني إلى الحضانة؛ حيث آخذ استراحتي الأولى على طاولة المطبخ. أشعر هناك بأنني في عُشي الصغير، فالجو حميمي دائماً في مطبخي، وأستطيع أن أمد يديّ بسهولة لأطال شيئاً آكله على سبيل التسلية وأسترق النظر إلى السماء من النافذة. مطبخي صغير، فهو أشبه بالجُحر وأشعر بأن جدرانه قريبة جداً مني. لست طبّاخة رائعة بل إنني أعتبر أن وظيفة المطبخ تنحصر في تناول الوجبات الخفيفة، وليس ركناً لمشروعات الطهو الكبرى. تمنحني هذه المساحة الصغيرة الشعور بدفء الأمومة وتذكّرني بمرتع الصبا وحياة اللهو في أيام الطفولة.

الراديو موجود هناك طوال الوقت، وأمارس القراءة هناك كثيراً، والأهم من كل شيء أنني أمارس فيه الكتابة. أُنجز المرحلة الأولى من أعمالي الكتابية هناك ولا أشعر هناك بأي ضغط؛ وكأن الوقت لم يعد يدخل في حساباتي. وعلى العكس من ذلك، فعندما أذهب إلى مكتبي، أشعر بضغوط العمل الذي عليَّ إنجازه. أحب في هذا المطبخ شكله المثلث الذي يجعله مطبخاً غير تقليدي، بالإضافة إلى تواضع تصميماته. لا أهتم بديكوره الداخلي، وأهم ما يميز مطبخاً صغيراً كهذا أن المرء لن يشغل باله بشكله أو ديكوراته بحال من الأحوال. كل ما هنالك أنه يجب أن يكون نظيفاً وعملياً فحسب، وهو مطبخ فوضوي بعض الشيء لكنها “فوضى منظمة” أجد فيها نفسي”.

جاد، ممثل: “أشعر بأن غرفة مكتبي أكثر حميمية من غرفة نومي؛ بل وأعتبرها ركناً للتأمل”!

“أسمع الناس في كثير من الأحيان يتحدثون عن منازلهم بقول شيء على غرار: ’بيتي الدافئ‘ أو ’عُشي الصغير‘؛ لكنني لست من النوع الذي يتعلَّق بالمكان الذي يعيش فيه بهذا الشكل، لسبب وحيد وهو أنني لا أهتم سوى بغرفة المكتب التي أستطيع نقلها معي بسهولة إلى أي مكان أنتقل للعيش فيه. فكل حاجياتي موجودة على هذه الطاولة، من ملفات ما تزال قيد العمل، بالإضافة إلى متعلقاتي وأدواتي الشخصية. أعتبر هذا الركن حميمياً للغاية، أكثر من غرفة نومي أو حمامي! أعتبره ركناً للتأمل.

بمجرد أن أستيقظ، أجلس على هذا المكتب وأنفصل عن العالم من حولي، أفكر في المستقبل، في مشاريعي، أكتب، أقرأ سيناريوهات الأعمال الفنية. لا أشعر في أي مكان آخر بالقدرة على العمل. أعتبر أن دخولي غرفة المكتب طريقة لتنظيم أمور حياتي، ولولاها لظلت فوضوية، وبخاصة لشخص مثلي تفرض عليه طبيعة عمله الكثير من الفوضى. وأحتاج إلى الانغماس في أجواء العمل بهذه الطريقة، لكي أشعر بأنني أحافظ على قدر من النظام في حياتي. يمكنني قضاء ساعات هناك في تأمُّل غلاف قرص مدمج وأعتقد أن ارتباطي بهذا الركن يأتي من خوفي من الفراغ؛ كما لو كنت جالساً على مكتبي لأقنع نفسي بأنني منهمك في فعل شيء ما!”.

نرجس، مصممة أزياء: “لا أعتبر سريري مجرد وسيلة للنوم والراحة بل ركنٌ للحياة والإبداع”

عندما كنت ما أزال طفلة صغيرة، كنا نعيش في بيت ريفي صغير. كانت غرفتي تحتل طابقاً كاملاً وقد أقدمتُ ذات مرة على إعادة طلاء جدرانها وتغيير ترتيب الأثاث ليلاً. كانت تمثّل لي عالمي الخاص، وظلت كذلك منذ ذلك الحين. وعندما انتقلت إلى باريس، عشتُ في بيوت بها غرف نوم رائعة وقد أحببت هذه الأماكن. لا يُشترَط أن تكون غرفة النوم كبيرة، فقد شعرتُ في تلك المساحات الصغيرة بأنني أفضل حالاً؛ كما لو كنت في عُش صغير.

تقتضي طبيعة عملي أن أتعاون مع الكثير من الناس، وأحب التواصل المباشر مع الآخرين لكنني أيضاً بحاجة إلى لحظات أختلي فيها بنفسي؛ وبالتالي أحتاج إلى ركن آمن لا أخاف فيه الشعور بالوحدة وتوفر لي غرفة النوم، لا سيما السرير، هذه الخصوصية. ولا أعتبر سريري مجرد وسيلة للنوم أو حتى ممارسة العلاقة الحميمة بل يمثّل لي ركناً للحياة، فإذا كانت غرفة مكتبي هي المكان الذي أمارس فيه عملي، بمعنى ممارسة الأعمال الإدارية أو التوجيهية، فإن سريري هو الركن الذي أمارس فيه الإبداع. لقد رسمت أجمل لوحاتي هناك، وتوصلتُ إلى أفضل تصميماتي. يسرح عقلي هناك بحرية تفوق ما يحدث حينما أمارس عملي من غرفة المكتب، فلطالما كنتُ تلك الفتاة التي اعتادت منذ سنوات المراهقة ممارسة إبداعها على فراشها! حتى لو لم يكن للأمر علاقة بالإبداع، يظل سريري ملجئي الخاص الذي أحتمي به”.

أمجد، كاتب سيناريو: “أشعر بالراحة النفسية مع كتبي، فهي زادي ومتعتي في رحلة الحياة”

“أشعر بالراحة النفسية مع كتبي، أينما كنت. وقد أنشأت ركناً لهذا الغرض خصيصاً في منزلي، ويتألّف من مكتب بسيط وأريكتين حيث تمرح قططي الأربع وتجول من حولي وتشب على قوائم خزائن الكتب. أحيط نفسي بالكتب في مختلف فروع المعرفة، من علوم وفلسفة وشعر، إلخ. تضم مكتبتي أيضاً الكتب التي قرأتها في صغري بوصفي الطفل الوحيد لأبي وأمي. لقد نشأت بصحبة هذه الكتب ولم يكن لي أصدقاء سواها.

قرأتُ في العاشرة من عمري كتباً إسبانية شهيرة، وروايات غربية للكاتب فرانسيسكو غونزاليس، وأفضّل أعماله على أعمال الكاتب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس. كان كل كتاب قرأته يعبّر بطريقة أو أخرى عن مستوى الوعي الذي وصلتُ إليه على مدار حياتي، وهكذا فإن كتبي تجسّد مسارات رحلتي. أشعر بالراحة النفسية في هذا الركن بين كتبي. أحتاج إلى مساحة معينة أستطيع الحركة فيها بنوع من الحرية؛ هذه المساحة تخصني وحدي. أعكف على الكتابة هناك لمدة 8 ساعات على الأقل في اليوم الواحد دون أن أفعل شيئاً آخر خلال تلك المدة، ولا تأتي زوجتي وأولادي إلى هذا الركن حتى أعلّق لافتة على الباب تعلوها صورة ابتسامة. أعتقد أن كل شخص بالغ يجب أن يكون له ركن يوفّر له الخصوصية، ما لم يكن همجياً أو مصاباً بمرض نفسي”!

إلهام، كاتبة: “بات حمامي الركن الذي يجسّد قصة حياتي وأجمل ذكرياتي”!

“على الرغم من امتلاكي مخدعاً أستطيع أن أسترخي فيه بغرفة مكتبي، فإنني أشعر بأنني بحالة أفضل حينما أدلف إلى حمامي. آتي إلى هنا عندما أشعر بالتعب، أو لإجراء مكالماتي الهاتفية الشخصية. لا أحد يسمعني هناك؛ حيث يخيّم على هذا الركن جو من الصمت التام. بلغ من حبي للحمام أني عملت على توسيع مساحته وتأثيثه كما لو كان غرفة معيشة، وبات يحتوي الآن على كرسي بذراعين مريح للغاية وراديو. هذا هو الركن الوحيد الذي أستمع فيه إلى الموسيقا التي تروقني، وأعلّق فيه الصور التي تم التقاطها لي في المستشفى عند ولادة ابنتي، بالإضافة إلى تزويده بكل الأشياء والكتب التي أحبها. 

أحب أيضاً تعليق مجموعتي المفضَّلة من الأحذية والحقائب والملابس وفستان زفافي هناك. أشعر بأن كل شيء هنا يخصني وحدي. لقد بات حمامي مكاناً يجسد قصة حياتي وأجمل ذكرياتي. أذهب إلى صالة الألعاب الرياضية وأمارس التمارين الرياضية، ثم أعود وأقضي وقتاً طويلاً في وضع مساحيق التجميل وأستمتع بالاستحمام كل مساء. إنه الركن الذي أستمتع فيه بأنوثتي وأشعر فيه بخصوصيتي ولا أحب أن تطأه قدما أحد غيري”.

اقرأ أيضاً: المنزل صندوق أسرار النفس: ما الذي تكشفه منازلنا عنا؟

المحتوى محمي !!