ما الذي تكشفه طريقة ردودنا عن سماتنا الشخصية؟

الردود التي تعكس سماتنا الشخصية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بين الإجابة بـ “نعم” بشيء من التردد والإجابة بـ “لا” بنبرة عدوانية، هناك طيف واسع من الردود التي تعكس سماتنا الشخصية غالباً، وسنحاول هنا فك شيفرتها.
لا تعني الإجابة بـ “نعم” دائماً قبول شيء بصورة حاسمة كما قد يبدو لنا من الوهلة الأولي. وبالمثل، فلا يمكن اعتبار الإجابة بـ “لا” مؤشراً حقيقياً على الرفض القاطع لشيء ما كما لا يمكن اعتبارها مؤشراً دالاً على شخصية حازمة. ونستعرض في السطور التالية بعض الأدلة التي يمكن الاسترشاد بها للتعرُّف إلى الحقيقة الكامنة وراء إجاباتنا.

“لا” الاعتراضية

قالت كوثر لزوجها الذي يبدو أنه يتبنى شعار “أنا أعترض إذاً أنا موجود”: “حتى عندما تقول “نعم” فإنك تعني “لا”، فأنت مريض بالاعتراض على أي شيء وكل شيء”! وتُعتبَر هذه الإجابة بـ “لا” أحد الآثار البغيضة التي ظلت عالقة في لاوعينا منذ نعومة أظفارنا في سن الطفولة المبكرة (بين 18 شهراً وعامين) حينما كنا نلجأ إلى الاعتراض كوسيلة لإثبات وجودنا. وإذا استمر هذا السلوك حتى مرحلة البلوغ، فذلك لأن الكثيرين منا ما يزالون يواجهون صعوبة في تحقيق رغباتهم بالاستقلال عن آبائهم؛ إذ كان آباؤنا في كثير من الأحيان ينظرون إلى هذه الرغبات الملحّة بالانفصال على أنها مجرد نزوات ويرفضونها بعنف. وبعد 20 عاماً، ونظراً لعدم وجود طريقة أكثر إيجابية لإثبات وجودنا، فإننا نحاول حماية أنفسنا بإبداء الاعتراضات.

“لا” من حيث المبدأ

أعربت سلمى عن قلقها قائلةً: “لكن لماذا تقابل كل شيء بالرفض ولا تقول سوى “لا” رداً على كل شيء؟ أنت لا تريد أي شيء ولا أدري ماذا أقول حتى أرضيك”. ويُعد الرفض من حيث المبدأ صفة تميّز الأشخاص المصابين بالاكتئاب الذين لا يريدون شيئاً، مقتنعين أنه لا جدوى في كل الأحوال من الأمل أو التحفيز أو وضع الخطط، فهم يؤمنون بطبيعتهم بأن ثمة مشكلات ستظهر في حياتهم لا محالة لذا فإنهم يحاولون الاستعداد للأسوأ دون أن يحسموا قرارهم في أي شيء، مراهنين على أن الوقت وحده كفيل بحسم الموقف.

“لا” القلِقة

تسأل نادية صديقها الجديد: “ما رأيك في أن نتناول العشاء معاً الليلة؟”، فيجيبها بشيء من القلق: “لا، لا أعرف الظروف بعد”. يعبّر هذا الرفض الدفاعي عن القلق والخوف الملحوظ من فكرة أن ثمة عقبة محتملة ستظهر عما قريب تفسد خططه كلّها؛ وهو ما يفسّر أيضاً الخيال اللاواعي لدى هذا الشخص وأمثاله بأن إجاباتهم حتمية وغير قابلة للتغيير إذ يحدّث بعضهم نفسه قائلاً: “إذا وقع مكروه في اللحظة الأخيرة يمنعني من الوفاء بوعدي فسيُصاب الطرف الآخر بالإحباط الشديد، لذلك أفضل الرفض وإذا جدّ جديد وسمحت لي الظروف بالموافقة، فبها ونِعمَت”!

“نعم ولكن”

تقول جنى متذمرةً: “كم تمنيت أن تسمح لي الظروف بالخروج كما كانت الحال قبل ولادة ليا؛ ولكن كيف؟”، فتقترح صديقتها قائلة: “ما عليكِ إلا أن تتركيها مع جليسة أطفال”، فتجيبها جنى: “نعم ولكن لا يمكنني ترك ابنتي في أيدي شخص غريب”، أو “نعم ولكن ظروف عملي تمنعني على أي حال من التخطيط لأمسياتي”، أو “نعم ولكن ليس لديّ ما يكفي من الطاقة الآن فأنا متعبة للغاية”.

تُعد عبارة “نعم ولكن” الاستجابة المفضلة للأشخاص الذين يعانون حاجة ملحّة في اللاوعي للوقوف في وجه سعادتهم. وإذا جاءت هذه العبارة مصحوبة بنبرة عدوانية، فإنها تترجم الرغبة الواعية في إخبار الآخر بأنه لا يملك القدرة على إيجاد حل مهما حاول. كما تلفت الانتباه إلى هذه الحقيقة التي أشار إليها التحليل النفسي والتي مفادها بأن دوافع الأصدقاء تقوم على وهم معرفتهم بما نحتاج إليه أكثر منا! وهو الموقف الذي يعبّر عن قبول شيء ما بقول “نعم” مع الاستدراك عليه بـ “لكن” ورفضه في النهاية.

“نعم” الانتهازية

“هل أنت متأكد أنك ستستطيع إنهاء هذه المهمة خلال 3 أيام”؟ فيجيبه أنس بثقة تامة: “نعم بالطبع، لا مشكلة على الإطلاق”! تستند هذه الـ “نعم” إلى الفكرة التالية: “لا يهم أن أفي بوعدي، فقد لاحظت أن الأشخاص الذين يقولون “نعم” يُنظر إليهم بشكل أفضل من أولئك الذين يقولون “لا” لأنها تجعلهم يبدون أكثر حماساً وإيجابية، وأريد أن أكون محبوباً وأحظى بالاحترام”. وقد تأتي هذه الـ “نعم” من التقييم بالغ التفاؤل لإمكانياتك، فهي تدل دائماً وأبداً على قوة تقدير الذات وثقة المرء الكبيرة في قدراته، التي قد تصل أحياناً إلى حد جنون العظمة.

“نعم” القسرية

“قمر، ستقضين عطلة هذا الصيف معنا في منزل العمة جميلة، أليس كذلك”؟ فتجيبها المرأة الأربعينية التي لم تتجرأ يوماً على معارضة والدتها: “بالطبع يا أمي”. ويسألها صديقها الذي لا يسدد ديونه أبداً: “هلا أقرضتني ألف جنيه”؟ فتجيبه وهي تحلم بأن تتجرأ ولو مرة على رفض طلبه المستمر للمال: “نعم، لا مشكلة يا عزيزي”. في حين أن “نعم” القسرية مستمَدة هنا من الخوف من جرح الآخرين أو الظهور بمظهر الشخص الأناني أو خسارة صديق أو حبيب، فإن “نعم” القسرية تدل على وقوعنا في مواقف ضارة برفاهتنا تمليها علينا الأنا العليا (التي تُعتبَر بمثابة قاضٍ داخلي وفقاً لفرويد)؛ ما يمنعنا من التصرف وفقاً لما تمليه عليه مصلحتنا الحقيقية، وهو ما يمنعنا أيضاً من قول “نعم” بهدوء لندافع عن أنفسنا بالرفض بطريقة غير لائقة.

المحتوى محمي !!