لماذا يخاف البعض من الوخز بإبرة بشكل مرضي؟

الوخز بإبرة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتبادر إلى ذهني ذلك الموقف المتكرر كلما ذهبت أختي بابنتها التي لم تبلغ السادسة من العمر إلى المستشفى. حيث يصبح المشهد مليئاً بالبكاء والدموع والمقاومة خوفاً من الوقوع في مواجهة الوخز بإبرة الطبيب.
وكي لا يُفهم أن هذه الحالة مقتصرة على الأطفال؛ بصورة متكررة أرى البعض من أقراني يؤرقهم منظر تلك الصور التي تتحدث عن أهمية التبرّع بالدم وفضله في إحياء الأنفس؛ والتي عادة ما تحتوي أنابيبَ للدم متصلةً بساعد اليد، وتساورهم الشكوك حول قدرتهم على تحمّل آلامها.

ومن الطبيعي ألا يحب أحد منّا أن يُوخز جلده بإبرة سواءً كان ذلك لأخذ عينة من الدم وفحصها أو التطعيم ضد مرض معدٍ أو التبرع بالدم، فعادة ما يفضل الناس تجنب الوخز بإبرة.

وبناءً على جداول التطعيمات والاختبارات الروتينية فقط؛ يمكن للشخص العادي أن يتوقع ما لا يقل عن 165 إبرة على مدار حياته، حسب مدونة الطبيب روبرت شميرلنغ (Robert Shmerling)؛ المحرر الأول لصالح موقع هيلث هارفارد بابليشينغ (Harvard Health Publishing).

بالإضافة لما سبق، فزيارة المستشفى وإجراء الفحوصات وإبر التخدير قد يضيف لذلك الرقم العشرات أو حتى المئات من وخزات الإبر. إلى جانب تضاعف هذا الرقم عدة مرات في حالة الأشخاص المصابين بداء السكري وفيروس نقص المناعة البشرية وبعض الأمراض الأخرى التي تستوجب أخذ الأدوية بالوريد.

وبالنسبة لكثيرٍ منّا، فقد تشكل هذه المواقف غير المحببة مشكلةً حقيقية وسبباً كبيراً للانزعاج؛ ما يضعهم تحت وطأة قلق حاد وهلع ونفور يقلّل من صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية. وقد يساهم في تجنبّهم لزيارة المستشفى أو تطور حالة رهاب من الوخز بإبرة (Trypanophobia).

ما هو الخوف من الوخز بإبرة؟ ما هي أسبابه؟ ما هي علاماته المرضية؟ كيف يؤثر هذا الخوف على صحتنا؟ وما أساليب التعامل معه؟

ماهية الخوف من الوخز بإبرة

يصف لنا الطبيب شميرلنغ نشأة الاسم؛ والذي يتضمّن المصطلح يوناني الأصل (Trypano) بمعنى ثقب الشيء مع (Phobia) بمعنى الرهاب الذي يحتوي مشاعرَ وعواطفَ الخوف الظاهرة.

علاوةً على ذلك، فمن الممكن تمييز هذه الحالة بملاحظة ظهور خوف شديد غير عقلاني لدى الشخص أو نفور من الدم أو الإبر. حيث تشير التقديرات في مدونة الطبيب شميرلنغ إلى أن الخوف من الوخز بإبرة يؤثر على نحو ربع البالغين.

اقرأ أيضا:

ما الذي يسبب الخوف من الوخز بإبرة؟

يبدو أن هذا الرهاب -كأنواع رهاب أخرى- لم يصل العلم الحالي إلى اكتشاف سبب معيّن واضح له، فالأطباء غير متأكدين تماماً من سبب إصابة أشخاص دون آخرين به.

وعلى الرغم من ذلك، فمن الممكن وصف بعض المسببات المحتملة التي قد تحفّز ظهور العلامات المرضية لهذا الرهاب، حسب الكاتبة ايريكا سيرينا (Erica Cirino) في مقالتها لصالح منصة ”هيلث لاين“ (Healthline)؛ ومنها ما يلي:

  • التغيرات في كيمياء الدماغ.
  • المزاج أو الطبع الحساس أو السلبي.
  • التعرّض لمعلومات أو تجارب سلبية.
  • مخاوف الطفولة التي تظهر قبل سن العاشرة.
  • التجارب الحياتية السلبية السابقة أو الصدمات الناجمة عن موقف معين.
  • السلوك الوراثي أو المكتسَب الذي قد يتمحور حول معاناة شَهِدَها المصاب.

اقرأ أيضا:

ما هي العلامات المرضية للخوف من الوخز بإبرة؟

بالعودة إلى مدونة الطبيب شميرلنغ، فقد يعاني بعض الأشخاص المصابين بهذا الرهاب من الأعراض التالية:

  • الخفقان.
  • الشعور بالدوار.
  • الخوف أو القلق.
  • نوبات الهلع.
  • الغثيان والتعرّق.
  • تجنّب هذه المواقف أو الهرب منها.
  • الإغماء بسبب انخفاض ضغط الدم نتيجة تلك المخاوف.
  • الأرق خلال الأيام أو الأسابيع التي تسبق التعرّض للوخز بإبرة.

كيف يؤثر الخوف من الوخز بإبرة على حياة المصابين؟

من الممكن ملاحظة آثار هذا الرهاب في الكثير من جوانب الحياة؛ والتي يمكن أن تظهر فيما يلي:

  • جودة الحياة: فقد يؤثر هذا الخوف على مستوى جودة حياة الشخص خلال تلك المدة وحتى قبل زيارة الطبيب ومواجهة ذلك الموقف.
  • الصحة العامة: فمن الممكن أن يؤدي هذا الرهاب إلى تخطي الفحوصات الضرورية وتجاهل توصيات الخطط العلاجية الموصى بها لتجنّب الوخز بإبرة؛ ما يؤدي لتعذّر التشخيص الطبي في بعض الحالات وسوء مراقبتها وعدم تلقّي العلاج المناسب.
  • الوفاة المبكرة: قد يتسبب تخطي الرعاية الطبية الروتينية في تدهور صحة الإنسان وتقليل العمر المتوقع؛ ما يُعجّل بتطور بعض الأمراض المزمنة التي يمكن الوقاية منها أو علاجها أو حتى تقليل خطورتها على المدى الطويل.

ما أساليب التعامل مع هذا الرهاب؟

تهدف الأساليب العلاجية التي تُستخدم للتغلّب على هذه الحالات إلى معالجة الأسباب الكامنة وراءها، وذلك قد يعني اختلاف الأسلوب العلاجي من شخص لآخر.

ويُنصح معظم الأشخاص المصابين بهذا الرهاب بزيارة مختص في الصحة النفسية والعقلية؛ حيث يمكن أن تشمل أساليب التعامل مع الخوف من الوخز بإبرة بعضاً من الآتي:

  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): فقد يساعد على تعليم المصابين بهذا الرهاب طرقاً لإعادة صياغة الأفكار غير المفيدة وبناء استراتيجيات فعّالة للتأقلم.
  • العلاج بالتعرّض: حيث يهدف هذا الأسلوب إلى تصميم بيئة آمنة حقيقة أو تخيلية أو افتراضية، مع الحرص على جعلها خاضعة للإشراف من مختص نفسي، بعد فترة من التدريب على التعامل مع القلق الناتج عن الرهاب، يتعامل العلاج بالتعرض مع مخاوفك التي تظهر عند تعرضك للوخز بإبرة؛ ما قد يقلل من الذعر الذي تشعر به.
  • الأدوية: فقد تُستخدم بعض الأدوية المضادة للقلق أو الأدوية المهدئة تحت إشراف طبيب نفسي عندما لا تكون الممارسات العلاجية السابقة ناجحة بصورة جيّدة.

اقرأ أيضا: كيف يؤثر الخوف في صحتنا الجسدية والنفسية؟

ما الذي يمكنك فعله بصورة شخصية للتغلب على الخوف من الوخز بإبرة؟

في حين لا يوجد الكثير من الأبحاث التي تتحدث حول هذا الرهاب، فمن الممكن تقديم بعض النصائح العامة والتي ستساعد في تخفيف آثار المخاوف السلبية والأعراض المصاحبة له؛ ومنها:

  • وجود الدعم المناسب متى أمكن ذلك: فعلى سبيل المثال؛ الإمساك بيَد أحد الوالِدين أو الأصدقاء أو سماع صوت الزوج أو أحد أفراد الأسرة يمكن أن يعطي شعوراً بالراحة والأمان.
  • إلهاء تركيز المصاب بهذا الرهاب: وذلك بالتركيز على أي شيء خلاف الإبرة كالنظر لبقعة على الأرض أو التركيز على وجه الطبيب وصوته.
  • الاطلاع على خطوات العملية أو الإجراء العلاجي: الحرص على إخبار الطبيب بمخاوفك حتى يكون مستعداً ليطمئنك ويساعدك على تجاوز الموقف.
  • ممارسة أساليب الاسترخاء: كتجربة التنفس البطيء العميق أو التأمل قبل الذهاب لمواجهة مثل هذه المواقف.
  • إرخاء العضلات التي ستتلقى الوخزة: فيمكن أن يؤدي ذلك إلى تقليل الآلام الجسدية المصاحبة لذلك الموقف.

بوجه عام؛ تصيب هذه المخاوف الكثيرين من حولنا، وقد تصيبنا في فترة محددة من فترات عمرنا ونتجاوزها؛ ما يجعل بعضنا قادراً على تقديم المساعدة غيرنا!

ختاماً؛ من الطبيعي أن يكون لدينا خوف من التعرض للألم حتى عندما نعلم بموعد قدومه وكيفية حدوثه. لكن من غير الطبيعي أن يتحكم هذا الخوف في حياتنا ويعطلها في بعض الأحيان ويؤثر على جودتها. يجب عدم الاستخفاف بهذا الرهاب، والمبادرة إلى مساعدة من نراه يقع ضحية لمخاوفه وقلقه، لأننا الآن نعلم أن الخوف من الوخز بإبرة قد يتطور ويؤثر على جودة حياة الإنسان وصحته وعافيته.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي !!