الخوف من الهجران: كيف يمكن تقبُّله بين الزوجين؟

4 دقيقة
الخوف من الهجران
الخوف من الهجران
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من مرور السنوات وبناء المشاريع المشتركة؛ هل ما زلت تخشى أحياناً أن يرفضك شريكك أو يبتعد عنك شيئاً فشيئاً ليهجرك نهائياً؟ إنه أمر طبيعي بحسب ما أكده مؤلف كتاب “مدرسة الحياة” الفيلسوف آلان دي بوتون. من خلال هذا الكتاب يحذرنا الكاتب من الاستراتيجيات السيئة التي نميل أحياناً إلى تبنيّها لإخفاء الخوف من الهجران الذي يجعلنا نخجل، وينصحنا بقبول هذه الفجوة في العلاقة والتجرؤ على الحديث عنها.

الخوف من الهجران في بداية العلاقات

خلال المواعيد الرومانسية الأولى؛ نشعر دائماً بهذا القلق لنجعل الآخر يفهم مدى انزعاجنا وخوفنا من إمكانية الهجران. نحلم بأخذ شريكنا من يده وإفساح المجال له في حياتنا لكن الخوف من الهجران يجعلنا نتلعثم. إنها مرحلة مشاعر الحب الضعيفة التي ستبدو لاحقاً فترة رائعة جداً بالنسبة إلينا. نصل أحياناً إلى درجة أننا تعلمنا أن نتحلى بالصبر والتعاطف في مواجهة حماقات الشخص الذي يحاول شيئاً فشيئاً أن يفتح قلبه لنا. ويشعر البعض الآخر بالارتباك بسرعة ويلتزم الصمت فجأة، كما يتصرفون أحياناً ببرود أو بسخرية لمحاولة إخفاء حماسهم تجاه الآخر.

لكن لسائل أن يسأل: هل يقتصر هذا الخوف من الهجران على بداية العلاقات؟ قد يظن المرء بالفعل أنه بمجرد أن يلتزم شخصان ببعضهما بعضاً بطريقة صريحة تماماً، قد يقترضان أموالاً أو يشتريان منزلاً معاً، وأنه بمجرد الزواج وإنجاب الأطفال لن يتخلى الشريك عن الطرف الآخر.

يحتاج الشخص الطبيعي وأحياناً اللاوعي إلى الطمأنينة

و مع ذلك فمن الأشياء الغريبة في العلاقات الرومانسية أن هذا الخوف من الهجران لا ينتهي أبداً؛ إنه شعور مستمرّ بصفة يومية حتى بين أكثر الناس عقلانية. ولهذا الخوف من الهجران عواقب وخيمة، خاصة لأننا نرفض فهمه ولسنا مدرّبين على اكتشاف أعراضه. لا ندرك أننا نحتاج دائماً إلى الطمأنينة، بغض النظر عن مرحلة العلاقة التي وصلنا إليها.

بالإضافة إلى ذلك؛ يلاحظ لاوعينا أن إدراك القبول دائما أمر غير ممكن كما أن المعاملة بالمثل ليست مؤكدة أبداً. يمكن أن تكون هناك تهديدات جديدة دائماً؛ متصورة أو حقيقية، بسيطة أو عظيمة، لسلامة حبنا.

الشكوك منتشرة؛ ربما بقي شريكنا في العمل لفترة أطول من المعتاد أو تحدث بحماس شديد مع شخص غريب في أثناء المساء أو ربما مضى وقت طويل منذ أن مارسنا الحب، فصرنا نتساءل: لماذا كل هذا البرود غير المعتاد؟ حتى بعد سنوات من العيش مع شخص ما فإن طلب إثبات الحب يبدو طفولياً بالنسبة إلينا.

وأخيراً بعد مرور كل هذا الوقت، قد تقول لنفسك لم يعد هذا الخوف من الهجران ضرورياً. إذا تعلمنا التعرف إلى مشاعرنا وطريقة إيصالها للآخرين، فسنجني بالتأكيد ثمار التفاهم والرحمة التي نحتاجها. لذا، بدلاً من إخفاء سعينا وراء الراحة بالسلوك الفظ أو حتى المؤذي؛ دعونا نحاول تحديد الأعراض الثلاثة الرئيسية للقلب المضطرب.

اقرأ أيضا:

العَرَض الأول: التباعد

يعترينا شعور القلق من أن شريكنا لم يعد يرغب فينا، فنحن نشعر بذلك عن بعد. نتظاهر بأننا مشغولون وأن أفكارنا في مكان آخر وأن الحاجة إلى الطمأنينة هي أقل ما يقلقنا.

وقد نكون في الحقيقة بصدد خيانة شريكنا وفي محاولة نهائية وصبيانية للبقاء بعيدين قدر الإمكان ونحفظ ماء وجوهنا. يمكن أن تكون المغامرة في نهاية المطاف أغرب المجاملات التي يراها المرء، وإثباتاً قاسياً للامبالاة نحتفظ به ونكرسه سراً لمن نهتم بهم أكثر.

العَرَض الثاني: البحث عن السيطرة

نشعر أحياناً أن الشريك يبتعد عاطفياً؛ ولكن عندما ندرك كم تخلَّينا عن أنفسنا للآخر سيكون الأمر مذهلاً بالنسبة إلينا.

لذلك بما أننا لا نستطيع إجباره على أن يكون دافئاً وكريماً معنا فإننا يجب أن نعطيه حجمه الحقيقي. تغضبنا تأخيراته ونوبخه بشدة لأنه لم ينجز بعض المهام المنزلية والإدارية لذلك نحاول السيطرة عليه بأفضل طريقة. والهدف ليس التحكم في كل شيء بشكل دائم؛ بل إنه مجرد خوفنا من الاعتراف: “أخشى ألا أهتم بك “. وفي الواقع هذه بداية حلقة مفرغة نشعر من خلالها بالسوء فنعطي الآخر انطباعاً بأننا لم نعد نحبه.

اقرأ أيضا:

العَرَض الثالث: الشر

كملاذ أخير؛ نحاول حماية أنفسنا من خلال تشويه سمعة الشخص الذي يهرب منا. نشير إلى ضعفه ونشتكي من عيوبه. سنقوم بأي شيء بدلاً من طرح السؤال الذي يشغلنا كثيراً: هل هذا الشخص يحبني؟ ومع ذلك إذا كان من الممكن فهم هذا السلوك القاسي وغير الأنيق على حقيقته، فسوف يدرك المرء أنه ليس رفضاً؛ بل دعوة إلى إعطاء لمسة حنان لكن بطريقة غريبة وحقيقية في ذات الوقت.

سيكون حل كل هذه المشكلات هو تطبيع فكرة أكثر عدلاً عن أدائنا العاطفي. إنه أمر صحي وناضج أن تكون حساساً ولديك هذه الحاجة المستمرة للشعور بالطمأنينة.

أن تكون حساساً، فهذا صحّيّ!

سبب معاناتنا هو أن المجتمع يقدم صورة ثابتة للغاية عن كيفية استعراض عواطفنا. إنه يريد أن يجعلنا كائنات مستقلة وغير معرضة للخطر؛ ويعلّمنا أنه من غير المنطقي أن نطالب الشريك بإظهار حبه باستمرار لاسيما عندما يكون قد رحل فقط لبضع ساعات وسيعود، أو طمأنتنا بشأن مشاعره تجاهنا لمجرد أنه لم يولِ اهتماماً كافياً لنا في أثناء حفلة ما أو لم يرغب في المغادرة عندما غادرنا. ومع ذلك فهذا هو بالضبط نوع الراحة الذي نحتاجه طوال الوقت. لن تنتهي حاجتنا إلى الشعور بالقبول لدى الطرف الآخر أبداً، ولا تقتصر هذه اللعنة على الضعفاء فحسب.

تقبُّل حاجتنا للطمأنينة لتجاوز الخوف من الهجران

إن الشعور بعدم الأمان في المجال الذي يهمنا علامة على الصحة العقلية. هذا يعني أننا لا نأخذ علاقاتنا بالآخرين كأمر مسلّمٍ به؛ ما يفيد أننا نظل واقعيين بما يكفي لنرى أن الأمور قد تسوء وأننا مستثمرون بدرجة كافية في علاقتنا لنشعر بالقلق حيال ذلك.

يجب أن نخصص أوقاتاً منتظمة، ربما عدة مرات في اليوم، حيث لا نتردد في طرح أسئلتنا دون الشعور بالحرج، حتى لو كانت الأسئلة تافهة في بعض الأحيان على غرار:  “أنا أحتاجك حقاً. هل ما زلت تريدني؟”. يجب أن نفصل قبول الحاجة عن كل الأفكار السلبية المرتبطة بمصطلح “الحاجة”. وفي الحقيقة نحن نحتاج تدريب أنفسنا على التعرف إلى الحب والرغبات الكامنة وراء بعض أكثر السلوكيات فتوراً وتوجيهاً ووقاحة؛ والتي يمكن أن نتعرض لها من قبل شريكنا، وفي بعض الأحيان إثباتها.

اقرأ أيضاً:

المحتوى محمي !!