ماذا أفعل إذا كنت أمتلك كل شيء لأكون سعيداً، ولكنّي لا أشعر بالسعادة؟

الحصول على السعادة
unsplash.com/Hybrid
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كلمة “لكن” هذه، هي الشكوى الوجودية التي يعاني منها معظم الناس طوال الوقت. معظم أحاديثنا تدور حولها، وهي السبب الرئيسي وراء زيارة الطبيب النفسي. هل يلازمنا الشعور بعدم الرضا طوال الوقت؟ ماذا نحتاج من أجل الحصول على السعادة؟ ماذا لو كان هذا الشعور بالضيق، على الرغم من النجاح العاطفي والمادي، علامة على النضج الفكري؟

  • لماذا ننسى أن نكون سعداء؟
  • الشكوى دليل النضج
  • البالغون الذين يؤمنون بسانتا كلوز
  • الإدمان على المتعة
  • رأي أستاذ الطب النفسي “رولاند جوفينت”

تعترف إحدى زائرات موقع “سايكولوجي دوت كوم” (Psychologies.com) قائلة: “لدي زوج جيد وأطفال أصحاء ومنزل مريح ووظيفة ومال كاف. ومع ذلك، أشعر بالحزن وأشعر بأني لا أستحق أن أكون سعيدة”. بينما يتساءل زائر آخر بطريقة فلسفية أكثر: “لماذا لا أستطيع أن أكون سعيداً”، هل لأن حياتي رتيبة للغاية؟ أو لأن معيار الحياة المثالية لدي عال جداً؟ أليس ذلك لأننا نريد المزيد دائماً؟. أو تلك الأم المرهقة، والتي ربما تدمر حياتها بسبب شعورها بالذنب الذي يدفعها إلى حرمان نفسها من الوصول إلى متعة الحياة. هذا هو السبب الرئيسي في الواقع لعدم قدرتنا على أن نكون سعداء.

لماذا ننسى أن نكون سعداء؟

كل قصة وكل وجود فريد بطبيعة الحال. لكننا غالباً ما نجد أن عقدة الشعور بالذنب هذه، والتي تحول دون شعورنا بالسعادة، تعود بجذورها إلى طفولتنا. حيث تشيع خصوصاً بين الأطفال المنبوذين أو الذين يتربون في كنف آباءٍ يريدون أن يكون أبناؤهم مثاليين. منذ سنين طفولتهم المبكرة، لا يشعر هؤلاء الأطفال بضرورة وجودهم ويفتقدون احترام الذات، ويبذلون قصارى جهدهم لتلبية احتياجات من حولهم دون أن يهتموا برفاههم. وهكذا، وعلى أمل أن يكونوا محبوبين، قاموا بطريقة ما بتكييف أنفسهم لنسيان رفاههم والعيش من أجل الآخرين. كيف يمكن لهؤلاء أن يكونوا سعداء حتى ولو امتلكوا كل ما يرغبون؟

كما تشيع صعوبة القدرة على أن تكون سعيداً بين أطفال الآباء المصابين بالاكتئاب أيضاً. إذ يكبرون في جوّ قاتمٍ وحزين مع أبٍ أو أم ينظرون نظرةً سوداوية للحياة، ويعتبرون أنها بلا فائدة ولا طعم لها ولا رائحة، وينقلون رؤيتهم هذه إلى أطفالهم. إنهم يشعرون بالذنب حيال أي سعادةٍ يشعرون بها، لأن لديهم إحساساً مؤلماً بلعب دور المفسد في هذا الجو القاتم. تتضخم هذه الظاهرة إذا كان الآباء، بالإضافة إلى ما سبق، يؤمنون بالخرافات من قبيل: “لا تتحمّس كثيراً، اكبت فرحك، وإلا فإن المصيبة في انتظارك؛ سيحترق المنزل إذا فرحت، أو ستتحطم السيارة في حادث، أو سيموت أحباؤك… إلخ”.

اقرأ أيضا: تمارين استرخاء للتخلص من التوتر.

الشكوى دليل النضج

إن ثقافة الذنب الدينية التي ننغمس فيها لا يمكن أن تساعدنا في إصلاح أنفسنا بعد أن نعيش طفولةً قاتمة. نقرأ في كل مكان “من حقنا أن نكون سعداء، بل من واجبنا أن نكون كذلك”. بالرغم من هذه النصائح، يظل الأمر بالنسبة للعديد من الأشخاص مصدراً للتناقض. على سبيل المثال، تقول صوفيا، وهي سكرتيرة طبية تبلغ من العمر 32 عاماً: “وظيفتي جيدة، وليس لدي أي مشاكل مالية، وأملك منزلاً يأويني وشريكاً يفعل كل شيء لإسعادي. ولكن لا يمكنني أن أكون سعيدةً لأن هناك الكثير يعانون من الفقر والبؤس”. إنها تشعر بالذنب أكثر لأن هناك الكثير من الناس على هذا الكوكب بلا مأوى وليس لديهم ما يكفي من الطعام. يبدو الأمر كما لو أن حرمان نفسها من السعادة سيمنح المشردين مأوىً أو يعطي خبزاً للجياع! ويبدو هذا الشعور وكأنه نوعٌ من الاكتئاب الجيد الذي يروق لصاحبه، خصوصاً إذا كان المرء يشعر بالفراغ الداخلي، ولا يرغب في أي شيء أو يعاني من الأرق. في الحقيقة، نميل إلى اعتبار أن عدم القدرة على الشعور بالسعادة والشعور بالذنب والاكتئاب هي بالضرورة أعراض مرضية يجب معالجتها في أسرع وقت ممكن، وهي شكوى تستحق الاستماع لها وفقاً للمعالجة النفسية “ماريثي كوتشيفيلو”، حيث تقول: “الشكوى بأنك تملك كل الأسباب لتكون سعيداً، ولكنك لست كذلك، هي بداية سؤال أكثر وضوحاً ونضجاً عن نفسك؛ من أنا؟ وماذا أريد حقاً؟”.

وتضيف موضحة: “لقد ورثنا المُثُل الاستهلاكية والإيمان بالتقدم الذي كان مهماً جداً لمجتمع ما بعد الحرب. لقد بُني عالم اليوم بالكبار الذين كانوا في شبابهم يعانون من الحرمان والجوع والخوف. لذلك هم بالطبع يحاولون مساعدة أطفالهم وتجنيب أحفادهم هذه المصاعب التي واجهوها من خلال التطور المادي وامتلاك الثروة والاستهلاك”. وهكذا أصبحت الأسرة المتناغمة التي لا تفتقر إلى أي شيء، من المنزل الجميل إلى السيارة الكبيرة والعمل الجيد، أصبحت في أذهاننا وترسخت كرموزٍ للسعادة. “إذا كنت أمتلك كل ذلك، فلدي كل الأسباب لكي أكون سعيداً!”، ولكن هذه الكليشيهات بالتحديد تحتاج إلى النقاش والتفنيد كي ندرك أن حاجياتنا الأساسية لا يمكن شراؤها. تقول كوتشيفيلو بثقة: “في الماضي، كان الحكماء فقط هم من يشككون في معنى الوجود. أمام المصاعب الاقتصادية، وأنماط الحياة الجديدة، وتزايد حالات الطلاق، والزواج مرةً أخرى، وندرة العمل، سيكون هناك احتمال أكبر أن نسأل أنفسنا عما إذا كنا قد اتخذنا الخيارات الصحيحة، وما هو الهدف من أفعالنا”. يجب أن نكون متفائلين كما تقترح كوتشفيلو: “ربما تكون هذه بداية المصالحة بين الوجود والمادية، والطبيعة والثقافة، والحياة المهنية والخاصة”.

وتذهب المحللة النفسية “فيرجيني ميجلي” أبعد من ذلك وتقول: “الشكوى بأن لدينا كل شيء لنكون سعداء ولكننا لسنا سعداء، هي محاولة تمرد إيجابي ضد المجتمع الذي يتغذى بالقوة. إنها طريقة لتحدي هذه الأم العظيمة، كأنك تقول لها أنتي لستِ بهذه القوة، ولا يمكنك حتى جعلي سعيداً”.

البالغون الذين يؤمنون بسانتا كلوز

“نحن نعيش في عالمٍ من الوفرة إلى درجة الغثيان. يمكننا امتلاك أي شيء، الأطفال والحيوانات الأليفة والسيارة والمنزل وأحدث هاتف ذكي ومختلف الاحتياجات الثانوية والحيوية. لكن هذه الوفرة لا يمكن أن تكون مصدراً للرضى والقناعة بحدّ ذاتها. يمكن أن تمتلئ خزانتي بالألبسة دون أن أعرف كيفية ارتدائها، لأن هذه المعرفة لا تعتمد على عدد الملابس التي أمتلكها. إن امتلاك منزلٍ يأويك، وتناول ما يكفي من الطعام والشعور بالأمان هي حاجات الإنسان الأساسية، لكن السعادة هي مسألة دافع داخلي. تقول ميجلي: “لتحقيق السعادة، ضع حداً للوهم القائل بأنه من الممكن الحصول على كل شيء. إنك بذلك تكون أشبه بشخص بالغ يؤمن بأسطورة سانتا كلوز الذي يقول للأطفال أن بإمكانه تحقيق جميع رغباتهم”.

لكن لا ينبغي لنا أن نخدع أنفسنا. بالنسبة للوالدين، إنها طريقة للقول: نحن نقدم لك “كل شيء” تحتاجه تماماً، وليس لديك سبب للشكوى. أي ليس لديك الحق في الشكوى. مع هذا الخطاب، يكبر الطفل على فكرة أن لديه حقاً “كل شيء” ليكون سعيداً، وإلا سيشعر بالذنب أو قد يعتبر أن التذمّر ليس مقبولاً، إلى أن يأتي اليوم الذي يعترف فيه بأن ما يمتلكه لا يحقق له الرضى والسعادة. ولذلك يقرر التركيز على وجوده، على ما يحتاجه ليحقق معنىً لحياته… ولكن لا أحد ينير له الطريق أو يمتلك الإجابة على هذا السؤال. إذا اخترنا طلب المساعدة أو الاشتراك في دورات أو ورش عمل للتطوير الشخصي، فإننا لا نحصل إلا على إرشاداتٍ عامة فقط. على سبيل المثال، سنتعلّم فقط أننا يجب أن نكون سعداء وراضون بما لدينا.

الإدمان على المتعة

لسوء الحظ، سرعان ما تعتاد عقولنا على ما كان يمنحنا متعةً عظيمة- وهي ظاهرة يسميها علماء النفس “التكيف اللذيذ” أو “تكيف اللذة”. لقد اعتدنا أن يكون لدينا بيتٌ يأوينا، وعمل جيد، وراتب منتظم، لكن هذه المتعة، حتى متعة البقاء مع من نحب، تتلاشى على المدى الطويل. فنحن لسنا مُصممين من الناحية النفسية من أجل أن نكون سعداء للأبد، فلن نحصل على السعادة مرة واحدة وإلى الأبد. ولكن هل يمكن مقاومة “التكيف اللذيذ”؟ يوصي متخصصو علم النفس الإيجابي في هذا الصدد بأن نتجنّب الرتابة والروتين، وبتنويع أنشطتنا، لأن ذلك من شأنه أن يذكرنا بأنه لم يكن لدينا منزلٌ جميل أو وظيفةٌ محترمة في الماضي، وبأننا يمكن أن نخسرهم حقاً.

من جانبها، تقول فيرجيني ميجلي مشككةً: “ليس هناك وصفةٌ جاهزة تلائم الجميع ليكونوا سعداء. يخبرنا علم النفس بأن ننظر إلى النصف الممتلئ ونتجاهل النصف الفارغ من الكأس، ولكن قد نكون أفضل حالاً مع نصف كأسنا الفارغ- من أجل أن نمتلك أكبر قدرٍ من صفاء الذهن أو لتجنب خيبة الأمل إذا تحطمت آمالنا”. بالطبع يمكننا الاستفادة من الوصفات التي تقدمها تقنياتٌ ومدارسٌ فكرية مختلفة أو تلك التي نجحت مع الآخرين، لكننا لن نكون سعداء أبداً عندما نقوم بتطبيقها على أنفسنا بحذافيرها مثل الطلاب الجيدين. وتختم ميجلي: “إذا كانت هناك من نصيحةٍ أقدمها، فهي أن تجرّب وصفتك الخاصة بك. قد تفشل عشرات المرات في تطبيقها، ولكن الشيء المهم هو أنك صنعتها بنفسك”.

رأي أستاذ الطب النفسي “رولاند جوفينت”

يقول رولان جوفينت: “نحن غير متساو القدرة في الحصول على السعادة التي نسعى إليها”.

هل نتشابه من الناحية البيولوجية في قابليتنا للسعادة؟

مثلما تختلف مسارات حياتنا وقصصنا، نختلف عن بعضنا في قدرتنا على أن نكون سعداء، أو بشكلٍ أكثر تحديداً، في قدرتنا على الاستمتاع بالسعادة. فالقدرة على أن تكون سعيداً هي أيضاً مشروطة بيولوجياً، إنها فطرية، أي أنها متأصلة في جيناتنا، ولكن يمكن أن تكون مكتسبة أيضاً، خصوصاً في مرحلة الطفولة المبكرة. إن دفء الأم، ونوعية العلاقات العاطفية مع بيئتها، وتطورها الثقافي والاجتماعي، أو نقيض ذلك، أي المعانة من الحرمان في سن مبكرة والتعرض لسوء المعاملة، تزيد أو تقلل من قدرة الدماغ على التكيف والتعامل مع السعادة. علم الأحياء وعلم النفس مترابطان بشكل وثيق في هذه الصدد.

ماذا يحدث في الدماغ السعيد؟

على المستوى الدماغي، فإن تنشيط “دائرة المكافأة” هو الذي يوفر الشعور بالرفاهية، لاسيما من خلال إفراز الناقل العصبي؛ الدوبامين. يتم تحفيز إفراز هذا الهرمون في الثدييات من خلال إشباع الحاجات الأساسية- العطش والجوع والتكاثر- ولكن البشر فريدون في قدرتهم على إشباع حاجتهم عن طريق التفكير أيضاً. إذ يثير مجرد الحديث عن الرفاهية الشعور بالرفاهية على مستوى بيولوجيا الأعصاب. ربما هذه هي القدرة التي تحتاجها من أجل الحصول على السعادة التي تبحث عنها.

المحتوى محمي !!