هل من الممكن التحكّم في عواطفك؟

الحياة العاطفية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

غالباً ما تزجّ بنا المشاعر داخل متاهة من التصرفات التي نرغب في تجنبها، لأننا قد نندم عليها لبقية حياتنا. لعلنا نتذكر جميعاً هفوة لاعب كرة القدم الفرنسي زين الدين زيدان في نهائي كأس العالم 2006، عندما أهان لاعباً آخر ثم سرعان ما احتقنت الأجواء داخل الملعب. وعلى الرغم من أن الهدوء قد ساد بعد ذلك، فإن عواقب هذه الحادثة كانت وخيمة. على صعيد “الحياة العاطفية”؛ لا توجد عادة قدرة خارقة تحدد مشاعرنا مسبقاً. لكن لدينا أربع طرق للتّحكم في حياتنا العاطفية؛ والتي تتطلب العمل على معايير على غرار كلامنا وفكرنا وأفعالنا وجسدنا.
في هذا السياق؛ يقول الفيلسوف ديكارت: “أنا أفكر إذاً أنا موجود”. كما يمكننا أن نقول أيضاً: “أنا أشعر فبالتالي أنا موجود”. نحن نعبر عن شعورنا من خلال أربع طرق؛ وهي الكلام والفكر والفعل والجسد. أربع طرق تساعد على اتخاذ إجراءات حاسمة، للسيطرة على عواطفنا.

التصرف من خلال كلماتنا

عادةً ما يثير الكلام المشاعر. يمكننا أن نقول: “أنا أقول لذلك أشعر” أو “ما أقوله هو ما أشعر به”. على سبيل المثال: عندما أقول لشخص ما: “لا أريد أن أغضب منك”، فأنا أوجه هذه الكلمة إلى نفسي أولاً؛ وهذا يعني أنني غاضب بالفعل ولكني أحاول بكلماتي تبديد موجات الغضب التي تنتابني. 

في الحقيقة؛ هذه الطريقة فعّالة. بقولي: “أنا لا أريد أن أغضب منك”، تمكنت من التحكم في غضبي. إن مجرد النطق برفض المشاعر يؤثر عليها. وكذلك إذا قلت: “أنا لست خائفاً منك، فأنت لا تخيفني”، فهذه الكلمة تقلل من خوفي. وهذا ما يسمى بالإيحاء أو الاقتراح الذاتي؛ أي “ما أقوله هو ما أشعر به”.

إن الكلمات التي قيلت لي لها ذات التأثير على مشاعري. يمكننا أن نقول: “أنا أسمع لذلك أشعر” أو “ما أسمعه هو ما أشعر به”. على سبيل المثال؛ يمكن لكلمات التشجيع أن تبدد شعوري بالخوف، فعندما يقول لي شخص قريب مني: “لا تقلق، كل شيء سيكون على ما يرام، أنت بأمان معي، أنا هنا معك”، يقل خوفي. 

وعلى العكس من ذلك، فإن الكلمات المهينة التي قالها المدافع الإيطالي ماتيراتزي لزيدان، في كأس العالم 2006 تثير الغضب على الفور. وهكذا برر زيدان رد فعله: “لقد وجه إلي كلمات قاسية للغاية، أقسى من مجرد ضربة، فضلاً عن أنه كررها عدة مرات. ثم تفوه بكلمات خطيرة للغاية وشخصية لامست أعماق كياني، لا سيما وأنها عن أمي وأختي. استمعت له للمرة الأولى وحاولت المغادرة متغاضياً عما قاله، ثم أعادها للمرّة ثانية والثالثة. أنا رجل أولاً وقبل كل شيء؛ كنت أفضل أن أُضرب على الوجه عوضاً عن سماع ذلك”. وهذا ما يؤكد أن “ما أسمعه هو ما أشعر به”.

إن الكلام يُؤثر في عواطفنا بطريقة قوية للغاية؛ إنه مصدر جزء كبير من عواطفنا.

لنردّ الفعل من خلال كلمتنا؛ هناك العديد من التقنيات:

طريقة كوي (La Méthode Coué) هي طريقة للتحدث إلى نفسك من خلال الإيحاء الذاتي أو التنويم المغناطيسي الذاتي. إنها وسيلة تجعلك تتصرف عاطفياً وكأنها نبوءة تحقق ذاتها. 

ولقد رأينا بالفعل كما ذكرنا سابقاً؛ كيف أن الكلمات التي ننوي قولها، تبدد غضبنا أو خوفنا، كما أنها فعالة ضد الحسد. على سبيل المثال: عندما يخبرنا أحد الأصدقاء بنجاحه أو بأخبار سارة، فإن الإطراءات التي نقدمها له تطرد الأرواح الشريرة. بقول: “أنا سعيد من أجلك” أو “أهنئك” -حتى لو لم نعنِ ذلك تماماً- (لأننا نشعر بالحسد)، سنبدأ في التفكير فيه وبالتالي نبتهج بعدما قلنا له ذلك.

 الكلمات المنطوقة لها تأثير التموج العاطفي الذي يصبح له تأثير أخلاقي فيما بعد. إن لفظ كلمة ما يُلزِمُ المرء بالانسجام معها، حتى لا يرى نفسه منافقاً.

في سياق ذلك، فإن التواصل اللاعنفي (NVC) لـ “مارشال روزينبيرغ”، هو وسيلة اتصال تهدف إلى منع تنشيط المشاعر السلبية لدى الآخرين من خلال الكلمات، ولا سيما عن طريق تجنب أي هجوم أو حكم شخصي.

التصرف من خلال أفكارنا

الأفكار تثير المشاعر. يمكننا أن نقول: “أنا أفكر لذلك أشعر” أو “ما أعتقده هو ما أشعر به”. لنفترض أن لديّ أفكار سيئة حول شخص ما، تتعلق بشخصيته أو ما قاله أو فعله. على سبيل المثال: “كيف يجرؤ على التحدث معي هكذا؟ من يظن نفسه؟ لا أحد يحق له أن يتكلم معي هكذا أو أن يقلل من احترامي. كما لا أقبل أن أُعامَل هكذا”. تثير هذه الأفكار مشاعر سلبية بداخلي؛ بما في ذلك الغضب. يجعلني ذلك أسيراً لعاطفتي وأفكاري؛ وهذا ما يفسر أن “ما أعتقده هو ما أشعر به”.

لطالما وُجِدت وسائل للتصرف بناءً على الفكر؛ بعضها قديم جداً مثل: التأمل أو الصلاة. تتمثل الوسيلة الأولى في ممارسة عقلية تهدف إلى تركيز انتباه كل فرد على شيء ما، وبذلك إفراغ عقله من كل الأفكار وخاصة الأفكار السلبية. والوسيلة الثانية هي اللجوء إلى تدخل كائن صالح، لإيجاد نتيجة تتناسب والموقف. في الواقع؛ هذه الطرق تمنع بروز المشاعر السلبية.

من خلال استخدام كلتا الطريقتين؛ يسعى المرء إلى إبعاد الأفكار التي تسبب له المشاعر السلبية. بالإضافة إلى ذلك، فهناك مناهج أخرى أكثر حداثة مثل: العلاجات السلوكية المعرفية التي حتى لو أعادت استخدام تعاليم الرواقية (مذهب فلسفي)، فسترى أن السعادة لا ترتبط بما يحدث لنا (والذي لا يعتمد علينا)؛ وإنما بحكمنا على ما يحدث لنا، بعبارة أخرى؛ فيما تتمثل السعادة بالنسبة لنا (الاعتماد على رؤيتنا).

بمعنى آخر؛ إذا تمكنا من تعديل حكمنا على الأشياء وتغيير تفسيراتنا حولها، فإننا سنعدل لا محالة من عواطفنا. يهدف العلاج المعرفي السلوكي إلى تحديد وتبديد أنماط التفكير السلبية التي تسبب الاضطرابات العاطفية مثل: اضطرابات القلق (اضطراب الوسواس القهري، الرهاب، اضطراب الهلع) واضطرابات المزاج (الاكتئاب، الاضطراب ثنائي القطب، الاكتئاب المزاجي).

التصرف من خلال أفعالنا

تثير الأفعال المشاعر. يمكننا أن نقول: “أنا أتصرف لذلك أشعر” أو “ما أفعله هو ما أشعر به”. على سبيل المثال: إذا كنا خائفين من شخص ما ونريد أن نتجنبه، فإن خوفنا سيزداد عند مقابلته فقط. أما إذا هربنا من الخطر فسيتضاعف خوفنا لأننا بالفرار، نستقر على وضع الضحية الأعزل؛ الفريسة التي يحق لها الهروب. من ناحية أخرى؛ إذا واجهنا الخطر، فإن شعورنا بالخوف سيتقلص؛ أي”أنا أتصرف لذلك أشعر”.

تعد تعابير الوجه؛ من بين أكثر الإيماءات غير الضارة والبسيطة التي يمكن القيام بها. إن اختيار تبني تعبير وجه معين يفتح الباب أمام عاطفة معينة. وهكذا على سبيل المثال؛ إذا أحسسنا بالاشمئزاز، فسنعبّر عنه، وإذا ابتسمنا، فسنشعُر بالغبطة. 

في هذا السياق؛ يقول مَثل صيني، “من يبتسم ثلاث مرات في اليوم لا يحتاج إلى دواء”. لذلك فإن الابتسام في حد ذاته علاج مصغر. لقد جعلت الثقافة الأميركية الابتسامة رمزاً اجتماعياً؛ “استمر بالابتسام”.

يمكن لأفعال الآخرين أيضاً أن تثير المشاعر فينا. يمكننا التمييز بين قسمين من تصرّفات الآخرين؛ تلك التي تكون في اتجاهنا، والأخرى التي تكون في اتجاه الآخرين. في الحالة الأولى؛ يمكننا أن نقول: “يتصرف الآخرين نحوي لذلك أشعر” أو “ما يفعله الآخرون بي هو ما أشعر به”. على سبيل المثال: يمكن أن تكون ابتسامة شخص ما حتى لو كان غريباً، كافية لتعم علينا البهجة. في الحالة الثانية؛ يمكننا أن نقول: “ألاحظ الآخرين يتصرفون لذلك أشعر” أو “ما يفعله الآخرون هو ما أشعر به”. 

في سياق متصل؛ أتاح اكتشاف الخلايا العصبية المرآتية في التسعينيات -من قبل فريق جياكومو ريزولاتي؛ أستاذ علم وظائف الأعضاء في كلية الطب في بارما- إثبات أن الدماغ لا يُحدث فرقاً بين الرؤية والفعل؛ وهو ما يفسر تعاطفنا وحماسنا للتّلفزيون أو السينما أو المسرح. نشعر بالسعادة عندما نرى شخصاً ما سعيداً، ونشعر بالحزن عندما نرى شخصاً حزيناً. لذلك: “ما يفعله الآخرون هو ما أشعر به”.

مثل الكلمات، فإن الأفعال تؤثر على عواطفنا بشكل فعّال للغاية، وهي -على حد سواء- مصدر جزء كبير من عواطفنا. يترتب على ذلك أنه يمكننا التأثير على الحياة العاطفية للآخرين من خلال كلماتنا وأفعالنا.

للتصرف وفقاً لأفعالنا؛ لدينا أيضاً العلاجات المعرفية السلوكية التي -مثل خط العرض حيث نسجل كل شيء في حياتنا اليومية- تجعلنا نريد أن نقول “شكراً لك”، وأن نكتُب رسالة شكر أو أن نزور شخصاً ما، تعبيراً عن امتناننا له بسبب معروف قدمه لنا.

التصرف من خلال أجسادنا

الجسد يثير المشاعر. يمكننا أن نقول: “أنا أشعر لذلك أنا أتأثر” أو “ما أشعر به هو ما يُؤثر في نفسي”. نحن نرى ونسمع ونلمس ونتذوق ونشم، وما تدركه حواسنا يثير المشاعر. لذا “أنا أشعر بكل ما أتأثر به”.

هناك طرق عديدة للعمل على الجسد. يمكننا على سبيل المثال استخدام التنفس. حتى أن أخذ شهيق وزفير عميقين، يمكن أن يكون كافياً لتبديد الغضب.

إن الذهاب للركض أو ممارسة رياضة ما أو تعلم الفنون القتالية أو متابعة جلسة يوغا، له تأثير أيضاً في تبديد المشاعر السلبية. من الممكن التأثير على الجسمكيميائياً من خلال استخدام الأدوية أو المهدئات؛ لكن هذه الوسائل تجعلنا سلبيين وغير قادرين على إدارة عواطفنا.

ولذلك؛ يمكننا تنظيم عواطفنا من خلال التصرف في أجسادنا أو كلامنا أو أفكارنا أو أفعالنا. يجب حشد وسائل العمل الأربع هذه على العواطف معاً، للمحافظة على معنى السعادة وتنميته للفرد والآخرين على حد سواء. لكن كل واحد منا لديه قناة عاطفية مفضلة، لأن كل واحد فينا اختار ما يرغب في تطويره بشكل أكبر. 

وهكذا؛ يشعر الرياضي أو الراقص بالجسد، و المحامي أو المحاضر بالكلمة، و الفيلسوف أو الباحث بالفكر، و الحرفي أو الجندي بالفعل. وبمجرد معرفة ذلك؛ سنختار المنهج الأنسب للتصرف بناءً على مشاعرنا ومشاعر الآخرين.

المحتوى محمي !!