التبعية العاطفية بين الزوجين: الاعتراف بها والنجاة منها

التبعية العاطفية
shutterstock.com/Yuliya Chsherbakova
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك أناس لا يسعهم إلا الوقوع فريسة للقلق بمجرد غياب شريك حياتهم لبعض الوقت، فتجدهم لا يفتؤون ينظرون إلى هواتفهم بما يصل حد الهوس، في انتظار رسالة أو مكالمة منه، تسمى هذه الحالة “التبعية العاطفية”، حيث لا يمكن لهؤلاء تخيل ذهابهم لأي مكان أو رؤية بعض أصدقائهم أو حتى الذهاب إلى السينما دون شريك الحياة. إذ يظلون دوماً يخشون الهجران. أولئك هم التابعون عاطفياً. يرى سافيريو توماسيلا، المحلل النفسي، أن هذه الحاجة المستمرة لوجود الطرف الآخر والاستحواذ على اهتمامه، تشكل ضرراً كبيراً للزوجين، ولكن، من الممكن استعادة الثقة بالنفس وتحرير الذات.

  • الجزع الشديد من فكرة الهجران
  • الأزواج ضحية الاختناق
  • مواجهة الجزع
  • استعد الثقة بنفسك من خلال حب الآخر

“ليز” لا تطيق الوحدة، ولا تستطيع منع نفسها من القلق عند ابتعاد “جون” عنها. فنجدها متشبثة بهاتفها؛ فلعل وعسى يصلها شيء من أخباره، كما تظل تتصل به مراراً وتكراراً، مع عدم قدرتها على القيام بأي أنشطة بمفردها. يخشى “فرانسوا” أن تصاب “كارين” بمكروه، ويشعر بالوحدة الشديدة عند ابتعادها عنه. تتملكه الغيرة، فيأخذ في مراقبة جميع تحركاتها، حتى أنه يفتش بريدها الخاص. أما بالنسبة لـ “فاليري”، فهي تتجنب الخروج ليلاً بصحبة أصدقائها؛ لأنها تعلم أن هذا الأمر لا يروق لزوجها “برونو”، والذي تسعى باستمرار لإرضائه. الجزع الشديد من فكرة الهجران، والشعور بعدم القدرة على العيش بدون الآخر، وعدم القدرة على التصرف في غياب الآخر… تجعل هؤلاء الأشخاص الثلاثة من التابعين عاطفياً.

الجزع الشديد من فكرة الهجران

“هؤلاء الأشخاص بحاجة للطرف الآخر لمواصلة العيش والبقاء على قيد الحياة والقدرة على التفكير”. هذا ما يوضحه سافيريو توماسيلا الذي يضيف قائلاً: “إن هؤلاء يخطؤون عندما يعتبرون هذه الحاجة للطرف الآخر مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم. فهم يعيدون إنشاء رابطة طفولية مع أزواجهم، ألا وهي رابطة الرضيع بأمه. ويعتقدون أنهم يدينون بحياتهم للطرف الآخر، الأمر الذي لا يتلاءم والعلاقة الزوجية. غالباً ما يعود السبب في هذا الاعتقاد للحرمان من عطف الأبوين أو غياب التفاهم من جانبهما، وأحياناً يعود للتعرض لحالات سوء المعاملة منهما. فالطفل الذي سبق له المعاناة من الهجران أو تجارب التعرض للرفض، أو انعدام الشعور بالأمان يمكن أن يصبح تابعاً عاطفياً عندما يصير من الراشدين”.

كما يمكن أن يجد كل شخص من بيننا نفسه في علاقة تتسم بالتبعية لطرف آخر. ويواصل المحلل النفسي حديثه، مضيفاً: “أن لحظات حياتنا التي نشعر فيها بالضعف، من شأنها أن تجعلنا ننزلق لهذه التبعية. وغالباً ما يكون التعرض للصدمات أو لاعتداء ما أو للحداد أو حتى للشيخوخة، من ضمن العوامل المحفزة لهذا الأمر. فالأشخاص الذين يدركون إمكانية تعرضهم للوفاة في أي لحظة، يقعون أحياناً بين عشية وضحاها في علاقة تسودها التبعية العاطفية”.

وقد تتخذ هذه التبعية العاطفية أشكالاً عديدة. فيمكن الاعتماد على الشريك مادياً وفكرياً-  تواجه ليز على سبيل المثال، صعوبة في التفكير واتخاذ القرار بنفسها- وحتى من الناحية الجنسية. وأحياناً نجد أيضاً الشريك الآخر ينمي مثل هذه العلاقة: فالزوج “الذي يميل لحماية الآخرين” بشكل مبالغ فيه، يشعر في قرارة نفسه برغبته في إحاطة شريكته بالرعاية بوصفها “تحت حمايته”، فيجعلها تنظر إليه وكأنها لا يمكنها الاستغناء عنه مطلقاً، وبالتالي، يصبح هو قادراً على السيطرة عليها”، وذلك وفقاً لتحليل المعالج النفسي. فوراء هذه التبعية، يمكن أن يتواجد شكل من أشكال الهيمنة العاطفية.

الأزواج ضحية الاختناق

هؤلاء الأزواج لا يتنفسون إلا قليلاً. فهم يفتقدون تلك اللحظات من العزلة، التي تسمح لكلا الزوجين باستعادة طاقتهما وبالمرور بخبرات حياتية بالخارج كلاً على حدة. ويؤكد سافيريو توماسيلا على هذا الأمر فيقول: “يتعرض أمثال هؤلاء الشركاء لخطر الدوران في دائرة مغلقة حول النفس والانكفاء على الذات”. “إن الحاجة المستمرة للحصول على الاهتمام التي يعانيها الشخص التابع عاطفياً، تستنزف الشريك تماماً. والخطر يكمن في شعوره بالاختناق، وبالقيود، وبعدم قدرته على فعل أي شيء بمفرده”. تعزز مثل هذه الظروف من الانفصال… وهذا جل ما يخشاه الطرف الذي يعاني من التبعية العاطفية في المقام الأول.

مواجهة الجزع

غالباً ما يجد التابعون العاطفيون، أولئك الغارقون حتى الثمالة في القلق الدائم، صعوبة في أخذ خطوة للوراء للنظر للوضع من اتجاه آخر. ومع ذلك، “فمن الضروري تعيين هذا الوضع، ثم قبوله، وإلا فلن يتغير من الأمر شيء”، كما يقول سافيريو توماسيلا. “إن التعاطي مع الجزع هو أكثر الأمور صعوبة. ومن المهم أن نفهم أنه حتى لو ازداد الجزع بشدة، فهو لن يقتل، والأهم من ذلك أنه سينتهي عاجلاً أو آجلاً”.

لكن عندما يصل الجزع لذروته، وتدور جميع أفكار المرء حول غياب الطرف الآخر، أو حول افتراض خيانته التي لا أساس لها من الصحة أو حول الخوف من الهجران، فلا يكون من السهل وضع الأمور في نصابها الصحيح. يقدم سافيريو توماسيلا النصح، قائلاً: “بدلاً من أن تقولي لنفسك (إنه يخونني)، حاولي أن تقولي (أنا أحبه، وهو سوف يعود، وأنا أثق به)، وكرري هذه العبارات على مسامعك كما لو كانت لتعويذة ما، ببطء وبصوت مرتفع إن أمكن. فذلك من شأنه تحسين الوضع. ويعد اختيار فكرة ذات قيمة لا تخص الطرف الآخر، طريقة أكثر فاعلية أيضاً”.

فبدلاً من الهرع نحو هاتف شريك الحياة لتفقد رسائله النصية أو من الاتصال به مراراً وتكراراً لمعرفة مكان تواجده، من الأفضل محاولة “استيعاب غضبه وخوفه وقلقه. وإذا كنا نخشى الهجران، فـإننا لا ندري ما الذي علينا فعله لوضع حد لهذا الخوف. لكن بوسعنا تخصيص خمس أو عشر دقائق من الصمت للنظر بشأنه. وما هي أعراضه؟ وما الذي يمكن أن يدفعنا لفعله؟ إن مجرد رصد أي انفعال ما، يجعلنا نتخطاه”.

يمكن، في نظر المحلل النفسي، أن تساعد عدة حلول بسيطة في التخفيف من حدة الضغط: “فيمكنك الاستحمام بالماء الساخن أو البارد. فهذا يسمح لك بإعادة التركيز على كيانك، ونحن بذلك نوجه كياننا نحو آفاق جديدة”. ويمكن أن يساعد المشي لمدة عشرين دقيقة، أو التأمل لهواة التأمل، أو حتى الاستماع لبعض الموسيقى الهادئة، على استعادة الشعور بهدوء النفس ولو قليلاً. كما يضيف سافيريو توماسيلا: “أوصي أيضاً بممارسة تمرين تنفس بسيط للغاية، عبارة عن النفخ ببطء شديد وبعمق لعدة مرات أثناء الزفير”. نخلص من ذلك لأهمية تخصيص بعض الوقت لنفسك لإعادة التواصل مع دوائر اهتماماتك ومهاراتك الخاصة. إن بعض الأنشطة اليدوية أو الفنية أو الرياضية، تتيح لك استعادة كيانك واكتساب الثقة بالنفس.

قد يهمك أيضا: كيف أتعامل مع أهل زوجي؟

استعد الثقة بنفسك من خلال حب الآخر

في الكثير من الأحيان، عندما نعاني من التبعية العاطفية، يصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن نأخذ أمارات المودة الصادرة من الحبيب على محمل الجد. يوضح المحلل النفسي أن “نقص الثقة بالنفس يبعث على الاعتقاد بكونك غير جدير بالحب، ولست محبوباً بما يكفي، وهدفنا هو النجاح في استعادة ثقتنا في حب الآخر لنا والأدلة التي تبرهن على ذلك يومياً. بينما في كثير من الأحيان، سرعان ما تُمحى هذه البراهين من الذاكرة. ولذلك، أوصي بتدوين كل بادرة صغيرة أو كل كلمة حلوة في دفتر ملاحظات والعودة إليها بانتظام عندما تعود المخاوف للظهور على السطح. وبسرعة كبيرة، سيكون دفتر الملاحظات ممتلئاً على آخره!”.

أما بالنسبة للطرف الآخر، فليس من السهل على المرء أن تتم ملاحقته باستمرار، أو أن يكون عليه طمأنة الشريك، أو حتى التعرض للومه وانتقاده طوال الوقت. إن اتباع نهج إظهار الكثير من المودة والرعاية الممكنة بالإضافة لإظهار الكثير من الحب، بشكل صريح، لا يمنع من الاعتراض بوضوح شديد، ولكن بهدوء، خلال الأوقات التي تتجلى فيها “التبعية العاطفية”. فعلى سبيل المثال، عندما يشعر تابعك العاطفي بالضيق الشديد بسبب عدم ردك على إحدى رسائله، فقل: “حتى لو لم أتواجد معك، إلا أنني أفكر فيك طوال الوقت. وكلي ثقة أنه على الرغم من عدم استطاعتي الرد، فكل شيء سيكون على ما يرام. يمكنك مواجهة قلقك”. إن المحبة تستدعي بالقوة نفسها أيضاً عدم التضحية بالنفس أو التضرر. فمن الأهمية بمكان أن تخصص بعض الأوقات لنفسك: “ومن الخطأ، منح المزيد من الوقت والاهتمام للطرف الآخر التابع عاطفياً. فالكرم ذو طابع نوعي، ولا يجب أن ننجرف للجانب الكمي منه فقط. حتى لو اضطررت للقيام ببعض الترتيبات، كالانفصال للعيش بعيداً”.

المحتوى محمي !!