الاختلافات بين الزوجين: أَيمكن أن تكون مفيدةً للعلاقة الزوجية؟

الاختلافات بين الزوجين
الاختلافات بين الزوجين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُنظر إلى الاختلافات بين الزوجين أغلب الأحيان على أنها عوائق تحول دون استمرار علاقتهما، ونرى الكثير من الأزواج الذين كانوا يحبون بعضهم بعضاً بالأمس، يفترقون اليوم بسبب شعورهم بوجود الكثير من الاختلافات بينهم. 

ومع ذلك، فإن الاختلافات بين الزوجين والخصوصية التي تميز كل منهما ليست عقبات لا يمكن تجاوزها بل على العكس تماماً؛ إذ يمكن لهذه الاختلافات أن تكون نعمةً حقيقةً للعلاقة الزوجية، وهذا ما يوضحه لنا في السطور التالية مختص علم الاجتماع باسكال دوريه.

هل تؤدي الاختلافات بين الزوجين إلى فشل العلاقة؟

نسمع كثيراً أن الاختلافات بين الزوجين ستؤدي إلى فشل العلاقة بينهما، وأن نجاح العلاقة يتطلب حتماً أن يكونا متشابهين، فيتشاركان القيم والأذواق ذاتها، وبخلاف ذلك فإنه لن يكون ثمة انسجام بينهما. ومن ثم فإن اختلاف القناعات السياسية بين الزوجين على سبيل المثال، أو الجدال المستمر بينهما سيحول بالتأكيد دون أن ينعما بحياة زوجية سعيدة تتسم بالديمومة. 

لكن مختص علم الاجتماع باسكال دوريه يوضح أن هذا الاعتقاد خاطئ ويقول: “إن هذا الاختلاف يعزز السعادة في الحياة الزوجية لأنه يسمح لكل طرف فيها بأن يكون نفسه في علاقته مع الآخر؛ إذ إن تمسك المرء بقيمه الشخصية هو أكثر ما يجعله على طبيعته، ومن ثم فإن الحياة الزوجية السعيدة لا تتطلب اتفاق الزوجين على جميع النواحي”. 

ويتابع: “لا يريد المرء أن يرى في شريك حياته نسخةً عنه؛ بل ما يريده بالفعل هو الحفاظ على تفرده. ويعاني الزوجان من التوتر بسبب رغبتهما في أن ينسجما روحياً من جهة وخوفهما من أن يصبحا “زوجين” غير متمايزين من جهة أخرى”. 

لكن في الحقيقة يمكن للزوجين أن يحققا الانسجام الروحي معاً مع الحفاظ على تمايزهما، لا سيما أن تشارك القيم ذاتها لا يعني بالضرورة تحقيق الانسجام؛ إذ على العكس يمكن أن تكون لدى الزوجين قيم شخصية مشتركة لكن قد تختلف نظرة كل منهما إلى هذه القيم أو مدى أهميتها بالنسبة إليه. 

لنأخذ على سبيل المثال مسألة النظافة، إنها مسألة بديهية فلا أحد يحب أن يعيش في مكان قذر لكن بينما قد يكتفي أحدهما باستخدام المكنسة فقط فإن الآخر قد يفضل استخدام مواد التنظيف والتعقيم، وهو أمر قد يكون سبباً رئيسياً لنشوب الخلافات فيما يتعلق بهذه الناحية.

التآلف مع اختلافات الآخر

في الحقيقة يمكنك الاستفادة من اختلافات الآخر وتفرداته التي تثير انزعاجك منه غالباً، على سبيل المثال شعورك بأنه شخص بخيل، شريطة أن تتقبل أن لديه قيماً شخصيةًقد تختلف عن قيمك، وأن تحاول قبل كل شيء فهم قيمه هذه. 

يقول باسكال دوريه: “لدى كل شخص قناعة بأن لكل سلوك سبب واحد فقط ما يجعله يعلل سلوك شريكه بالسبب الذي في ذهنه؛ لكن ما يجب أن نعرفه هو أن اتخاذ سلوك ما يرجع إلى قيم شخصية متعددة. لذلك من الضروري عدم تفسير أفعال الآخر من خلال مجموعة قيمنا الشخصية؛ بل أن نسعى لفهمها وفقاً للطريقة التي يفسر هو أفعاله من خلالها”. 

والبوابة الرئيسية لذلك هي الحوار لأن الاختلافات بيننا وبين شريك حياتنا هي موضوع للنقاش قبل أن تكون موضوعاً للنزاع. ولذلك فإنه على الزوجين أن يخصصا وقتاً كافياً ليوضح كل منهما وجهة نظره للآخر، ويستمعا إلى بعضهما، مع وجوب أن يراعي كل منهما أن وجهة نظر الآخر منطقية.

أهمية تعلم “التفاوض الزوجي”

يعتمد النقاش بين الزوجين في هذه الحالة على فن التفاوض الدقيق والصعب في معظم الأحيان. والقاعدة الأولى هي أنه ليس كل شيء قابلاً للتفاوض، ويعود لكل طرف في العلاقة الزوجية تحديد القيم التي تعد غير قابلة للتفاوض بالنسبة إليه مثل: روح الأسرة الواحدة،والروح التعاونية بين الزوجين، والرغبة في الحرية والاستقلالية، وغيرها. 

ذلك مع العلم أنه حتى لو كانت لدى كل طرف قيم شخصية مختلفة عن الآخر، فإن العلاقة الزوجية تتطلب منهما أن يتشاركا ما يسمى بالقيم الزوجية، وهي تختلف بدورها من علاقة إلى أخرى. ونذكر من هذه القيم: التفاهم والثقة والتضامن والإخلاص؛ القيمة الأهم بالنسبة للأزواج وفقاً لاستطلاعات الرأي. 

يقول باسكال دوريه: “تمثل هذه القيم أعمدة العلاقة الزوجية، فهي ضرورية لوحدة العلاقة ويتطلب إنشاؤها مشاركة الطرفين معاً؛ كما أنها تمثل من جهة أخرى أرضية مشتركة للتفاوض بين الزوجين”. ويتابع: “وذلك لأن القاعدة الثانية تتطلب أن ينطلق التفاوض مع الشريك من مجموعة القواعد الموضوعة بالفعل”. 

على سبيل المثال إذا طلب شريك حياتك أن يذهب في إجازة بمفرده، فستناقش الأمر معه انطلاقاً من اتفاقكما المسبق على عدم تفويت الاحتفالات العائلية.

الوصول إلى التسويات يعزز العلاقة الزوجية

وفقاً لهذه الأسس يمكن للزوجين أن يبدآ بالتفاوض ومن ثم يتوصلا إلى “تسوية” بينهما وهي كلمة قد تثير انزعاج بعض الأشخاص. ولكن بخلاف ما يعتقد كثيرون فإن التوصل إلى تسوية لا يعني التنازل، ويوضح باسكال دوريه قائلاً: “تسمح لك هذه الطريقة بأن تكون نفسك ولكن برفقة شريكك. وهي اتفاقية مؤقتة تسمح لنا بالمضي قدماً مع الحفاظ على وجهات النظر المختلفة”. 

يمكن لغياب التسويات بين الزوجين أن يسبب عواقب وخيمة على العلاقة الزوجية لأن هذه التسويات تحول دون أن يفرض أحد الطرفين وجهة نظره على الآخر. وبدلاً عن أن ترهق نفسك في نزاعات يومية مع شريكك بسبب الجوارب القذرة الملقاة في كل مكان وسلوكه في أثناء قيادة السيارة، والطريقة التي يضع بها الأطباق المتسخة، فإنه يمكنك أن تتعلم التقليل من أهمية هذه الأمور. ويوضح المختص: “من الضروري أن تحرص على عدم اختزال الآخر في هذه العادات الصغيرة التي تزعجك وأفضل طريقة لذلك هي عدم إعطاء هذه العادات أكبر من حجمها”.

أهمية إيجاد رؤية مشتركة تتجاوز الخلافات بين الزوجين

وبدلاً عن محاولة إزالة هذه الاختلافات التي تمثل “ملح” العلاقة الزوجية وتعززها مع مرور الوقت، فإنه من الأفضل أن نحاول التآلف معها. وفي سبيل ذلك فإنه من الضروري أن يكون هنالك تعاون بين الزوجين يسمح لهما بإيجاد رؤية مشتركة لحياتهما معاً، تتجاوز هذه الاختلافات بينهما.

مثال ذلك وضع الأولويات التي تتعلق بتربية الأطفال، كسلامتهم في المنزل، وتعليمهم كيفية التعايش معاً، ومتابعة منهاجهم الدراسية، وغيرها. وليس لزاماً على الزوجين الاتفاق على طريقة تنفيذ هذه الأهداف؛ لكن من الضروري أن يتعلما التفاوض حولها من المنطلق ذاته وأن يكونا متفقين على الأساسيات على أقل تقدير، كترتيب هذه الأهداف من حيث الأهمية على سبيل المثال. 

وعلى الرغم من أنه ليس على الزوجين أن يتفقا على كل شيء، فإنه عليهما أن يتعلما كيف يتحدان معاً في بعض الأحيان، وذلك عندما يتعلق الأمر بمستقبل الأطفال، والمسؤوليات الأسرية، أو عندما يكون أحد الزوجين عرضةً للأذى.

تأسيس ثقافة الاختلافات

أما النقطة الأخيرة فهي وصول الزوجين إلى حالة من التفاهم حتى حول القيم المختلفة بينهما ليؤسسا ما يسميه باسكال دوريه “ثقافة مشتركة للاختلافات في القيم”. 

ولكن كيف يمكنهما أن يؤسسا هذه الثقافة؟ يمكن ذلك من خلال إحياء “فن التفاوض الزوجي” هذا، والإشادة بتصرفات شريك الحياة حتى لو كانت مغايرة لمبادئنا، لأن قيمة هذا الاعتراف تصبح أكبر بكثير عندما يصدر عن شخصذي قيم شخصية مختلفة عن قيمنا. 

إضافةً إلى ذلك فإن تأسيس ثقافة الاختلافات يعني الابتعاد عن نموذج الاندماج الكامل بين الزوجين فلكل منهما نشاطاته الخاصة التي يحب ممارستها، ومثال ذلك أن يخصص كل طرف وقتاً لنفسه ليخرج مع أصدقائه. إن تخصيص مساحة شخصية هو أمر مفيد للعلاقة الزوجية شريطة ألا يؤدي ذلك إلى الإضرار بأحد طرفيها. 

ويوضح المختص: “من الضروري أن يخبر الزوجان بعضهما بعضاً عن هذه اللحظات التي يقضيها كل منهما بعيداً عن الآخر. أما إذا كان الشريك يحتفظ بهذه اللحظات لنفسه ويفضل أن يعيش بطريقة منعزلة عن الطرف الآخر، فإن ذلك سينعكس سلباً على العلاقة. وعلى العكس من ذلك، يؤدي التحدث مع الشريك عن هذه الأوقات إلى تعزيز العلاقة. يجب أن تعرف كيف تحدد الاختلافات بينك وبين شريك حياتك وتتحدث عنها وتضحك منها حتى؛ إذ يساعد ذلك على تعزيز هوية علاقتكما كزوجين ومن ثم تعزيز الانسجام بينكما”.

اقرأ أيضاً: لماذا يواجه الزوجان نفس الخلافات دائماً؟

المحتوى محمي !!