اكتئاب ما بعد المونديال: كيف تستعيد حياتك بعد المباراة الأخيرة؟

اكتئاب ما بعد المونديال
shutterstock.com/alphaspirit.it
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا نبالغ حينما نتكلم عن اكتئاب ما بعد المونديال فالخبراء حذروا بالفعل من انتشار هذه الظاهرة النفسية بين عشاق الساحرة المستديرة، التي يمكن فهمها إذا ما تأملنا مشاعر الحماس والإثارة التي سيطرت على أذهان ونفوس المتابعين لأحداث ومباريات كأس العالم.

وكأن جنون أسلوب “التيكي تاكا” في الملعب لم يستحوذ على الكرة فقط بل تمكن من المتفرجين أيضاً، فأخذهم في دوامة من المشاعر العنيفة، فوجدناهم تارة يشجعون ويهتفون ويرقصون حاملين آمالهم وآمانيهم مع أعلام بلادهم، وتارة أخرى يصمتون في ترقب وأنفاس مشدودة، أو محبطين مطأطئي الرؤوس بسبب هدف غادر ضد فريقهم، وأحياناً قد تأخذهم دوامة المشاعر تلك إلى انفعالات من نوع آخر فتجدهم يعبرون عن سخطهم بالشتم والصراخ وتلفيق الاتهامات.

جميعها مشاهد لن تخلو من أي نسخة لكأس العالم، لكن ماذا عن الفراغ العاطفي السحيق الذي قد يتمكن من البعض فور إطلاق صافرة نهاية المباراة الأخيرة؟ وكيف يمكن تخطي أعراض هذا الاكتئاب، والعودة إلى روتين الحياة الطبيعية؟

ما أعراض اكتئاب ما بعد المونديال؟

اكتئاب ما بعد المونديال (Post World Cup Depression)، والمعروف أيضاً باسم متلازمة ما بعد كأس العالم (World Cup Syndrome)، ظاهرة نفسية يعاني منها عشاق كرة القدم المتحمسون بعد انتهاء آخر مباراة في كأس العالم، وتتسم بمشاعر الحزن والفراغ وعدم الاهتمام العام بالحياة اليومية.

ارتبطت هذه الظاهرة بالنهاية المفاجئة للإثارة والطاقة المصاحبة لكأس العالم، فضلاً عن الافتقار إلى الهدف والضياع الذي يشعر به مشجعو كرة القدم بعد انتهاء الحدث، ويمكن أن تشمل أعراض اكتئاب ما بعد كأس العالم صعوبة في النوم والتعب ونقص الحافز وتدني الحالة المزاجية، وانخفاض الاهتمام بالهوايات والأنشطة.

ويؤكد استشاري الطب النفسي المصري جمال فرويز أن متلازمة “اكتئاب ما بعد كأس العالم” لا تمثل اكتئاباً حقيقياً وإنما إحساساً بالفراغ العاطفي بشكل أكبر الذي يؤثر بدوره في الحالة المزاجية، خصوصاً بعد عيش زخم المباريات لمدة شهر بأكمله، وظهور نوع من الفراغ الوقتي والفتور العاطفي بعد انتهاء هذا الحدث الرياضي الكبير.

لماذا تنخفض الحالة المزاجية بعد انتهاء كأس العالم؟

قد تدخل احتفالات نهائي كأس العالم والإثارة التي تتخللها المتابعين في فقاعة الحماس والمشاعر الجياشة، لكن بمجرد انتهاء الأحداث والأخبار المصاحبة للمونديال تدرك تلك الجماهير الشغوفة أنه لا مزيد من مباريات كأس العالم، ويؤدي ذلك إلى الشعور بغياب أمر ذي قيمة كبيرة في حياة المتابعين الشغوفين بكرة القدم، إذ يخيم عليهم الحزن والملل.

أما أبرز الأسباب وراء اكتئاب ما بعد كأس العالم، فيرجعها مدير التواصل في مؤسسة الصحة النفسية البريطانية مارك رولاند (Mark Rowland) إلى عاملين رئيسيين يمكن أن يسهم غيابهما فجأة في نشوء هذه الحالة النفسية المرتبطة بنهاية كأس العالم، وهما:

  1. غياب مصدر التنفيس العاطفي والنفسي: نتيجة أن كأس العالم يمثل فرصة للتنفيس بطريقة مقبولة اجتماعياً عن سنوات من الإحباط المتراكم، والمشاعر المكبوتة والعواطف السلبية مثل الحزن أو الإحباط أو الانزعاج.
  2. غياب الشعور بالهوية المشتركة والانتماء: إذ يوفر كأس العالم فرصة للأشخاص من جميع أنحاء العالم لتكوين روابط وقصص مشتركة، تتيح لهم التعبير عن الاهتمام والاستثمار عاطفياً في قضية موحدة، ما يعزز شعورهم بالانتماء والاندماج ضمن مجموعة أكبر تعبر عن الهوية والشغف والروح الوطنية، بغض النظر عن خيبات الأمل المحتملة أو الانتصارات المرتبطة بفوز أو هزيمة الفريق الذي يشجعونه.

وتوضح المعالجة النفسية راشيل بوشان (Rachel Buchan) أوجه التشابه بين اكتئاب نهاية كأس العالم واكتئاب الإجازات والأعياد. إذ يمكن أن تتولد فكرة: “ماذا سأفعل الآن؟ ” أو “ما الذي يمكن أن يشعرني بنفس الشعور بالحماس والتواصل مع الآخرين؟” لدى المشجعين، وهي نفس الخواطر والأحاسيس والشعور المفاجئ بالفجوة الذي قد ينتابنا بعد الأعياد أو الإجازات.

كيف تتجاوز اكتئاب ما بعد المونديال؟

أن تعيش أحداث كأس العالم بتفاصيله وزخمه ليس تجربة سلبية في حد ذاتها بالتأكيد، فلها العديد من الجوانب الاجتماعية الإيجابية مثل الترفيه و النشوة المشتركة والحزن، ما يسهم في نمونا العاطفي وإحساسنا بالمكافأة والرضا النفسي وفق ما قاله مارك رولاند، الذي يوضح أن القدر الأكبر للحزن المرتبط باكتئاب كأس العالم ينبع من فقدان تجارب الصداقة والتفاعل الاجتماعي مع الأصدقاء.

لذلك ينصح بالسعي إلى صناعة تجارب الصداقة تلك خارج مباريات كأس العالم لكرة القدم، والاستمرار في مقابلة الأصدقاء الذين يشاركوننا الشغف بالرياضة أو غيرها من الاهتمامات، كما يؤكد أنه من المفيد الانخراط في نشاط أو هواية جديدة أو نشاط اجتماعي منتظم، أو حتى وضع خطط استباقية لموسم كرة القدم القادم، للحفاظ على الأجواء الإيجابية التي وفرها لنا كأس العالم.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التشجيع الرياضي في صحتك النفسية؟

قد نرى اكتئاب ما بعد المونديال ظاهرة نفسية حاضرة بشدة في نسخة كأس العالم قطر 2022 في معظم الدول العربية، فالإنجازات الكبيرة للمنتخبات العربية أدخلت الكثير من البهجة والغبطة وأحاسيس التضامن، وهو ما بدأ يتلاشى مع الوصول إلى المباراة الأخيرة والإعلان عن المنتخب الفائز، ما سيجعل البعض يختبر شيئاً من الفراغ الوجداني أشبه بأعراض الانسحاب، وهنا يكون من الضروري الرجوع للروتين اليومي والتعود على رتابة الحياة لبضعة أيام أو أسابيع.

المحتوى محمي !!