دليلك الشامل حول اضطراب انقطاع النَفَس النومي

اضطراب انقطاع النَفَس النومي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تخيل أن ينقطع تنفسك لأكثر من 10 ثوانٍ أو حتى لدقيقة في بعض الأحيان، ولعدة مرات في الساعة، وأن يتكرر هذا الأمر في كل ليلة، وتخيل أنك تشعر بالاختناق في كل مرة فيجبرك جسدك على الاستيقاظ لتلتقط أنفاسك. يبدو ذلك مثيراً للقلق ومرهقاً أليس كذلك؟ هذا هو حال الأشخاص المصابين باضطراب انقطاع النَفَس النومي؛ إذ يعانون هذه الأعراض كل ليلة دون أن يدركوا ذلك في معظم الأحيان. ويمكن أن تكون لهذا الاضطراب عواقب صحية وخيمة ولا سيما إذا كان الشخص لا يعي أنه مصاب به.

اعتاد ماجد سماع نكات أصدقائه وزوجته حول شخيره العالي إضافةً إلى نومه الثقيل سواء في الليل أو عندما يأخذ قيلولةً في أثناء النهار. لكن مع تقدمه في السن ازداد الإرهاق الذي يعاني منه وعلى الرغم من اعتياده هذا الإرهاق إلى درجة أنه أصبح طبيعياً بالنسبة إليه، فإن زوجته التي شعرت بالقلق بشأنه قررت اصطحابه إلى الطبيب الذي تأكد له بعض الفحص أن ماجد يعاني جميع أعراض انقطاع التنفس في أثناء النوم وأبرزها الإرهاق والاكتئاب.

اضطراب مزمن

على الرغم من شيوع اضطراب انقطاع التنفس في أثناء النوم، فإن الكثيرين ليست لديهم معلومات كافية عنه. إن أبرز ما يميز هذا الاضطراب هو توقف التنفس المتكرر خلال النوم ولمدة تتجاوز 10 ثوانٍ كل مرة، وقد تصل إلى 45 ثانية أو حتى دقيقة. يقول الصيدلاني ومؤلف كتاب “كيف تتعايش مع انقطاع النَفَس النومي بصورة أفضل؟” (Mieux Vivre avec l’apnée du sommeil?)، ميشيل دانييلو المصاب بهذا الاضطراب: “في 90% من الحالات يُسمى هذا الاضطراب بانقطاع النَفَس الانسدادي؛ حيث تمنع جدران البلعوم مرور الهواء، ويوقظ هذا الانقطاع الشخص النائم دون أن يشعر ليستأنف تنفسه ويؤدي ذلك إلى حدوث الشخير”.

ويتابع: “وهكذا يدخل المصاب بهذا الاضطراب في حلقة مفرغة من انقطاع التنفس والاستيقاظ؛ ما يؤدي إلى تردي جودة نومه ونقص عدد ساعاته لكن دون أن يدرك ذلك”. تؤدي هذه الحالة إلى حرمان الشخص من النوم العميق؛ المرحلة الأهم من النوم لتجديد طاقة الجسم وعافيته، فيستيقظ منهكاً ويسيطر عليه الشعور بالنعاس طوال اليوم حتى لو بدا له أنه نام ساعات طويلةً.

خطورة إهمال علاج انقطاع النَفَس النومي

يقول ميشيل دانييلو: “يصيب اضطراب انقطاع النَفَس النومي مليونيّ شخص في فرنسا، وعلى الرغم من ذلك فقد عولجت 100 ألف حالة فقط. من الضروري معرفة أن انقطاع النَفَس النومي ليس اضطراباً بسيطاً، ويمكن أن يؤدي إهمال علاجه إلى العديد من الأمراض والحوادث وحتى الوفيات المبكرة”.

ويتابع: “ومن أبرز مضاعفات هذا الاضطراب ارتفاع ضغط الدم الذي يحدث نتيجة الحرمان من النوم العميق. ولما كان اضطراب انقطاع النَفَس النومي يؤثر بصورة خاصة في الرجال خلال مرحلة منتصف العمر، فهو يزيد جداً من خطر الإصابة بالنوبات القلبية وأمراض الجهاز القلبي الوعائي والمشكلات الوريدية وغيرها”.

إضافةً إلى ذلك يؤدي انقطاع التنفس في أثناء النوم إلى تفاقم داء السكري، ويقول المختص: “في أغلب الأحيان يعاني المصابون بانقطاع التنفس زيادةً في الوزن؛ الأمر الذي يُعد أحد أسباب الإصابة بداء السكري في الأساس. ومن جهة أخرى عندما لا يحصل الإنسان على ساعات نوم كافية فإنه يصاب بالإرهاق؛ ما يوجهه دون أن يشعر نحو تناول السكريات. ولأن جسده يرزح تحت وطأة التعب، فإن تناول الوجبات الخفيفة والحلويات التي تُشعره بأنه أكثر يقظة قد يصبح سلوكاً قهرياً؛ إنها حلقة مفرغة بالفعل!”.

أما عن الآثار النفسية للاضطراب فيقول ميشيل دانييلو: “يؤدي الحرمان من النوم إلى الاكتئاب الذي يتفاقم أكثر فأكثر مع تدني جودة النومباستمرار. إضافةً إلى ذلك فإن الصورة الذاتية السيئة التي قد تنتج من زيادة الوزن والشخير والتعب المستمر ستجعل من الاكتئاب حالةً أكثر خطورة على المريض”.

يؤثر انقطاع النَفَس النومي في السلامة الشخصية أيضاً؛ إذ تُعد قيادة السيارة تحت تأثير الشعور بالنعاس ثاني أكبر مسبب لحوادث الطرقات ويوضح ميشيل دانييلو قائلاً: “من الناحية القانونية يجب أن يُبلغ الأشخاص اللجنة المختصة بمنح شهادات السياقة عن إصابتهم بهذا الاضطراب؛ بحيث يُمنحون رخصاً مؤقتةً تبعاً للعلاج الذي يخضعون له. لكن الحالات الأكثر خطورةً هي تلك التي لا يعي أصحابها إصابتهم بانقطاع التنفس في أثناء النوم، فأنا شخصياً كدت أتسبب بموتي عندما استسلمت للنوم في أثناء القيادة على أحد الطرق السريعة، وقد نبهتني هذه الصدمة إلى ما أعانيه”.

علامات تحذيرية تدل على الإصابة بانقطاع النَفَس النومي

ما العلامات التحذيرية التي تستدعي استشارة الطبيب؟ يقول ميشيل دانييلو: “إن 80% من الرجال المصابين بانقطاع التنفس في أثناء النوم هم في مرحلة منتصف العمر، أي بين سنَّيّ الـ 45 والـ 50 عاماً، فإذا كنت تشخر بشدة خلال نومك وكان ذلك مصحوباً بنعاس دائم ومفرط خلال النهار فإن ثمة احتمالاً كبيراً بأنك مصاب بانقطاع النَفَس النومي”.

يتطلب الاضطراب تشخيصاً جازماً، لذلك يبدأ الأطباء بتقييم درجة النعاس في أثناء النهار باستخدام استبيان يسمى اختبار إيبسوورث (Epsworth test)، الذي يُطلب فيه من المريض تقييم مخاطر النعاس خلال ثماني مواقف يومية عادية (كالقراءة جالساً، والجلوس في مكان عام، وقيادة السيارة وغيرها). إذا سجل المريض درجة عاليةً في الاختبار، تُجرى له فحوصات إضافية في مركز النوم أو المنزل، وهي تتيح تشخيص حالة المريض بصورة أدق من خلال استكشاف الاضطرابات التنفسية التي تصيبه في أثناء نومه على وجه الخصوص وتقييم شدة انقطاع النفس.

علاجات قد تكون مزعجة لكنها فعالة

بمجرد تشخيص اضطراب انقطاع النَفَس النومي فإن علاجه يصبح ممكناً؛ ولكن من الضروري معرفة أن العلاجات قد تكون مزعجةً وقد يصعُب التعايش معها في بعض الأحيان. بالنسبة لانقطاع التنفس الحاد، فالعلاج المعتمد هو التهوية بالضغط الإيجابي أو ضغط مجرى التنفس الإيجابي المستمر المعروف بـ (CPAP) اختصاراً لـ (Continuous Positive Airways Pressure). يُستخدم لذلك جهاز صغير يعمل كمساعد لعملية التنفس في أثناء النوم من خلال دفع الهواء الذي يولد ضغطاً يُبقي مجرى التنفس مفتوحاً ويمنعه من الانسداد، ومن ثم يتخلص الشخص من حالة الاختناق ويتمكن من النوم بهدوء وعمق.

ومع ذلك فإن هذا العلاج المقيِّد نوعاً ما لا يلقى القبول دائماً لدى المرضى؛ إذ يرفض 15% منهم استخدامه، ويتوقف 20% منهم عن متابعة ذلك، وعلى الرغم من التقدم الكبير فيما يتعلق بتقليل حجم هذا الجهاز والضوضاء الصادرة عنه، فإن الكثيرين ما زالوا يجدون استخدامه مزعجاً جداً، وينشأ لديهم انطباع أن وضع هذا الجهاز عند النوم هو أشبه بحالة الاحتضار.

ولذلك يفضل بعض المرضى إجراء عملية جراحية والتخلص بصورة نهائية من انقطاع النَفَس النومي؛ ولكن تجب الإشارة إلى أن العمليات الجراحية لا تلائم جميع المرضى. يقول المختص: “قد تساعد المريض عمليات تصحيح انحراف الحاجز الأنفي أو تقليل تضخم القرينات الأنفية أو تصغير اللوزتين واللحمية”. ولكن بالنسبة لجراحات الأنف والأذن والحنجرة الأخرى، ولا سيما جراحات الحنك الرخو، فإن المتخصصين يترددون قبل إجرائها لأنها لا تبدو فعالةً على المدى الطويل”.

وبسبب صعوبة هذه العلاجات على بعض الأشخاص فإنه من المهم محاولة الحد من انقطاع التنفس خلال النوم قدر الإمكان والنقطة الأهم في هذا الشأن هي تجنب زيادة الوزن لأن الوزن الزائد يمنع الأنسجة من الاسترخاء؛ الأمر الذي يؤدي إلى إعاقة التنفس، ومن المهم اتباع نظام غذائي متوازن وممارسة الرياضة، وهو نمط حياة بسيط جداً لكنه يمكن أن يساعد على تجنب هذا الاضطراب وعواقبه الوخيمة على صحة الإنسان الجسدية والنفسية.

المحتوى محمي !!