عندما يتحول ليل الطفل إلى كوابيس

اضطرابات النوم البسيطة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

طقوس وقت النوم الطويلة، والخوف من الظلام الذي يمنعهم من النوم، والكوابيس التي توقظهم في وسط الليل؛ كلها أمور تدلّ على أن جميع الأطفال تقريباً معنيون بـ “اضطرابات النوم البسيطة”. إنها تبقى بسيطةً لكن بشرط أن تظل عرَضيةً، لأنها إذا أصبحت متكررة جدّاً، فيمكن أن تكون علامةً على مشكلة نفسية غير معلَنة قد تضطرب بسببها ليالي الأسرة كلها.

  • طفلي يرفض الذهاب إلى الفراش
  • طفلي يخاف من الظلام
  • طفلي يعاني من كوابيس
  • طفلي يلجأ كل ليلة إلى سريرنا

منذ ثلاث ليال، تستيقظ هيا البالغة من العمر أربع سنوات في الخامسة صباحاً وهي تبكي؛ إنها ترى الكوابيس. تتساءل والدتها التي سيطر عليها وأزعجها التعب، متى سينتهي ذلك؟ محاولة في الوقت نفسه التقليل من أهمية المشكلة، ففي الآونة الأخيرة؛ بدأت ابنتها تطرح بكثرة بعض الأسئلة عن الموت، ويبدو أن ذلك يزعجها حتى في نومها. تشرح عالمة النفس ليليان نيميت بييه هذا الأمر قائلة: “على الرغم من الحياة المحصّنة للغاية التي نحاول أن نضمنها للأطفال؛ فإنهم يحتاجون إلى استيعاب ما يعيشونه أو ما يشعرون به خلال النهار؛ بل وتجاوزه في بعض الأحيان. وهذا يحدث خاصة في الليل، عندما يجدون أنفسهم وحيدين في مواجهة ذواتهم”. بالنسبة لهيا؛ من المنطقي أن تنتهي حالات الاستيقاظ الليلي قريباً؛ كما هو الحال مع جميع الأطفال الذين يقضون بانتظام ليالٍ صعبة بعد يوم حافل جدّاً، أو في فترات صعبة من الحياة (الانتقال إلى سكن جديد، أو دخول المدرسة، أو حِداد تعيشه الأسرة… وغير ذلك). وتضيف الأخصائية النفسية: “لكن إذا أصبح الأمر متكررّاً جدّاً، فهذه علامة على أن شيئاً ما ليس على ما يُرام. قلة اهتمام بالطفل في أثناء النهار، أو صعوبة في تحمّل الانفصال عن الوالدين في وقت النوم أو في التغلب على مخاوفه”. وفيما يلي بعض الطرق لفهم ما يمكن أن يزعج ليالي الأطفال ومحاولة علاج اضطرابات النوم البسيطة التي قد يعانون منها.

طفلي يرفض الذهاب إلى الفراش

“في كثير من الأحيان؛ يعاني الأطفال الذين يرفضون الذهاب إلى الفراش من مشكلة الانفصال عن الوالدين خلال النّوم، لأنهم لم يجالسوا والديهم بشكل كافٍ خلال النهار، ويريدون البقاء معهم”. ولمعرفة ما إذا كان هذا هو ما يعبّر عنه أطفالنا من خلال محاولتهم الدؤوبة لتأجيل موعد النوم، فكل ما علينا فعله، وفقاً للأخصائية النفسية، هو مراجعة أحداث يوم الطفل. هل تمكنّا موضوعياً من قضاء بعض الوقت مع طفلنا أثناء النهار؟ هل كنا حقاً حاضرين لأجله؟ وتشدّد ليليان نيميت بيير على أن: “الأطفال في حاجة إلى وقت مخصّص لهم بالكامل، وهذا ما يتطلب منّا قطع كل اتصالاتنا الأخرى (الهاتف، الشاشات …)، للتركيز فقط على العلاقة والتبادل بين الوالدين والطفل”.

في سن عقدة أوديب -بين الثالثة والخامسة من العمر- يحدث أيضاً أن يرفض الطفل الذهاب إلى الفراش بسبب الغيرة من أحد الوالدين الذي ينتمي إلى الجنس نفسه، لأنه يبدأ في التساؤل عن الحياة الجنسية، وعما يحدث بين والديه عند غيابه، فلا يريد بالتالي تركهما وحدهما. وتضيف الأخصائية النفسية: “ثم إن رفض النوم هو محاولة لتأكيد قوته، ومعرفة ما يمكن الحصول عليه في هذا الوقت الحاسم من اليوم من خلال التعبير عن رفضه، ورؤية إلى أي مدىً يمكنه استغلال الوضع (“قُبلة أخرى. حكاية أخرى. كوب آخر من الماء. أريد أن أذهب للتبوّل …”)”. في مثل هذه الحالات؛ توصي الأخصائية النفسية بتطبيق طقس صارم للنوم ببداية ونهاية، والالتزام به، لأنه: “إذا فهم الطفل أن وقت الذهاب إلى الفراش غير مؤطر، فسوف يميل إلى التلاعب في ذلك”.

لكن مشاكل الانفصال عن الطفل في فترة النوم يمكن أن تشمل البالغين أيضاً، وتؤثر على أطفالهم، “فهناك آباء يعتبرون الانفصال عن الطفل خلال الليل مؤلماً بالنسبة لهم، لا سيما بين أولئك الآباء الذين يشعرون بالذنب لعدم حضورهم بشكل كافٍ مع أطفالهم، وحسب الطريقة التي عانوا بها هم أنفسهم من هذا الانفصال عندما كانوا أطفالاً، لأنهم أيضاً يعرضون مخاوفهم وتخيّلاتهم وماضيهم على شاشة الليل السوداء”. في هذه الحالة، فإن على الطرف الذي لا يشعر بأنه يتخلى عن طفله عندما يأخذه إلى الفراش أن يُكلّف بذلك.

طفلي يخاف من الظلام

يظهر الخوف من الظلام في سن الثانية تقريباً مع تطور حياة الطفل النفسية وخياله. هذا أيضاً هو العمر الذي يستوعب فيه أنه يمكنه أن يشعر بمشاعرَ إيجابية وسلبية تجاه الشخص نفسه (“أحبّ أمي؛ لكنني أكرهها عندما توبخني”). “وعندما يجد نفسه وحيداً في الظلام في مواجهة نفسه وفي مواجهة أفكاره”، توضح الأخصائية النفسية، فإنه “ينسجم مع حياته النفسية، وهذا يمكن أن يخيفه، لأن المشاعر مثل الحب أو الكراهية قوية للغاية. إن رهان التربية إذاً ليس هو منع هذه الحياة الغريزية، فذلك أمر مستحيل؛ ولكن الهدف هو مساعدة الطفل على توجيهها، حتى لا تسيطر عليه” وبمرور الوقت، وبينما يتعلم الطفل التحكم في عواطفه ودوافعه، فقد يتغير الخوف من الظلام ويتحول إلى خوف من العقاب. “عندما يشعر بالغضب الشديد -على سبيل المثال- فقد يشعر بالذنب، ويتخيل أن وحوشاً ستأتي لتلتهمه، ويصبح الظلام بعد ذلك أكثر اضطهاداً له إلى درجة أنه يشعر بأحاسيس عدائية تجاه الآخرين أو تجاه نفسه”.

هل يجب إرغام الطفل الذي يخاف من الظلام على النوم في الظّلام الدّامس؟ في هذا الإطار؛ توصي الأخصائية النفسية بأن: “دور الوالدين الأول هو مساعدة الأطفال على التّسلّح لمواجهة مخاوفهم بأنفسهم”. في انتظار تحقّق ذلك؛ نعتمد على مصباح ليلي صغير، ونُزيل المعاطف من مشجب الملابس إذا كان شكلها يخيفه، لأن الظلام يجعل المألوف غير مألوف. وتؤكد ليليان نيميت بييه أن: “معظم الأطفال يتأقلمون مع خوفهم من الليل والظلام بمفردهم، على الرغم من أن هذه المخاوف قد تستمر في بعض الأحيان حتى في سن البلوغ”.

طفلي يعاني من كوابيس

يستيقظ طفلك في منتصف الليل باكياً أو مضطرباً جدّاً، ويشرع وهو شبه نائم في الحديث عن الذئب الذي كان يطارده، أو الساحرة التي أرادت الإمساك به، هذا يعني أن طفلك كان يرى بلا شك كابوساً مثلما يحدث لنا جميعاً. توضح الأخصائية النفسية كيفية التعامل مع ذلك قائلة: “في مواجهة كابوس ما، من المهم عدم محاولة التهويل منه أو التقليل من شأنه. أولاً؛ عليك أن تهدئ الطفل وتطمئنه، وتأخذ الوقت الكافي للاستماع إليه، فكلما صغر سن الطفل، زاد عنده الخلط بين الخيال والواقع، وقد يجد صعوبة في الانفلات من هذه التخيلات الذي تجتاحه”، ولا يمكننا أن نطلب منه العودة إلى النوم إلا بمجرّد أن يتخلص فعلاً من صور هذا الحلم السيئ.

وبالمقابل؛ إذا اعتاد الطفل على أن ينادي قائلاً “لقد رأيت كابوساً” دون أن يكون قادراً على سرد أي شيء عنه، فينبغي التعامل معه بحذر، “فالأطفال يفهمون بسرعة أن كلمة “كابوس” هي أيضاً كلمة سحرية لاستقدام الوالدين إلى جانبهم؛ كما لو كان الطفل فقط يقول “أنا بحاجة إليكما”.

وماذا لو كانت الكوابيس متكررة؟

من المناسب حسب الأخصائية النفسية: “البحث دائماً بشكل أعمق قليلاً، والشروع في التحدث مع طفلك للتأكد -على سبيل المثال- من أنه ليس منزعجاً من موقف لم يفهمه جيداً، وإذا لزم الأمر يمكن أخذه إلى الأخصائي”.

طفلي يلجأ كل ليلة إلى سريرنا

حسب ليليان نيميت بييه: “عندما يأتي الطفل كل ليلة -أو تقريباً كل ليلة- ليتسلل إلى سرير والديه، فهناك عدة احتمالات يمكن استكشافها. هل السبب متعلق بالطفل: هل يخاف أن يكون وحده في غرفته؟ هل يخاف من الظلام؟ هل هو حزين ويبحث عن المواساة؟ أم أن الأمر يتعلق بالأسئلة التي يطرحها عن والديه؟ ماذا يفعلان في فراشهما عندما لا يكون معهما؟ هل هما بخير؟ هل هما مرتاحان معاً في السرير نفسه؟ في كلتا الحالتين؛ من المحتمل أن تكون المشكلة عدم الإحساس بالأمان، سواء تجاه والديه أو تجاه نفسه، لذلك من المفيد التحدث مع الطفل لمحاولة فهم ما يقلقه ويدفعه للذهاب لإنهاء ليلته في سرير الوالدين.

ولكن مهما كان سبب اضطرابات النوب البسيطة التي يعاني منها طفلك، فإن الأخصائية النفسية تشدد على الصرامة منذ البداية حتى لا يتحوّل الأمر إلى عادة. “يجب أن نشرح للأطفال أنه لا يمكننا الاختلاط. الأطفال ينامون في سرير الأطفال وفي غرفتهم، والوالدان في سرير الوالدين في غرفة الوالدين”.

المحتوى محمي !!