إنجاب التوائم: تجربة فريدة تغير نظرة الأبوين إلى الحياة

إنجاب التوائم
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كيف تختلف تجربة إنجاب التوائم عن إنجاب طفل واحد؟ قد نظن أن الأمر سيكون أكثر إرهاقاً للآباء والأمهات بيد أن الكثيرين ممن أنجبوا توائم يقولون إن هذه التجربة أثرتهم روحياً وعاطفياً وعلمتهم فلسفة حياة جديدة، إنه تحدٍّ لا شك في ذلك، لكن ثماره لا تقدر بثمن.

“يا للمسكينة، لا بد أنك مرهقة جداً!”، عبارة سمعتها سلمى كثيراً، وهي أم لثلاثة أطفال، وليد ذي الخمس سنوات والتوأمين مالك بعمر السنتين، فلا يمكن لعربة التوائم المزدوجة التي تجرها أمامها أن تمر دون أن تلفت انتباه الناس. خلال فترة الحمل يكبر بطن المرأة الحامل بتوأمين أكثر من المعتاد، وبعد الولادة تراها مرهقة متعبة نظراتها تائهة وهي تجر أمامها عربة الأطفال المزدوجة، فتثير تعاطف النساء من حولها وشعورهن بالحسد في الوقت ذاته فتسمع كثيراً عبارات من قبيل: “كيف أنجبتِ توأمين؟ يا لحظك، لطالما حلمتُ بذلك”. تعزز عمليات التلقيح الصناعي وتحفيز المبيض فرص الحمل بتوائم أما بالنسبة لحالات الحمل الطبيعي فثمة عدة عوامل تؤثر في ذلك وهي: عمر الأم، والعوامل الوراثية، والفصل الذي يحدث فيه التلقيح والعِرْق وطبيعة الغذاء، دون وجود معطيات جازمة في هذا الشأن، لكن ما نعرفه يقيناً أن إنجاب توأمين يؤدي إلى اختلال في توازن الحياة الأسرية والزوجية على وجه الخصوص، وهو ما أكده كل الآباء والأمهات الذين قابلناهم.

مبارك، أنتِ حامل بتوأمين

حالما تعرف المرأة أنها حامل بتوأمين تدرك أن حملها سيكون مختلفاً عن المعتاد. خلال خضوعها للتصوير بالأمواج فوق الصوتية قالت لبنى للطبيب: “هل ثمة حمل؟” فأجابها: “مبارك أنتِ حامل بتوأمين”، تقول لبنى: “سارعتُ على الفور إلى قراءة الكتب التي تتناول هذا الموضوع وشرعتُ في البحث عن دراسات عالم النفس المختص في العلاقات بين التوائم، رينيه زازو (René Zazzo)، وقرأت قصصاً كانت تزيد غثياني سوءاً مثل قصة تلك الأم التي دهنت أظافر توأميها بلونين مختلفين لتتمكن من التفريق بينهما”. التوائم المتطابقة أو الحقيقية (أحادية الزيجوت Monozygotes) هي تلك التي تتطور نتيجة انقسام بويضة واحدة ولذلك فإنها تتطابق بالجينات ومن ثم بالجنس، لكن تطابق التوأمين بالجنس لا يعني أن كلاً منهما نسخة طبق الأصل عن الآخر وهذه حقيقة تعرفها الأمهات حق المعرفة، وتفخر كل أم بأنها الوحيدة القادرة على التفريق بين طفليها التوأمين وتتخذ من ذلك دلالةً على مدى حبها لهما، فهي تلاحظ تلك الاختلافات الطفيفة التي لا يمكن لغيرها ملاحظتها، كالبقعة الصغيرة جداً على وجه أحدهما (النمش) أو فارق طول القامة الطفيف أو حتى اختلاف خط الشعر بينهما. يقول الطبيب بونس (Pons) من مستشفى أنطوان بيكلير (Antoine-Béclère) في كلامارت بفرنسا مبتسماً: “لقد شهدتُ العديد من المواليد التوائم المتشابهين إلى حد كبير على الرغم من أنهم ليسوا متطابقين، وقد اتبعت أمهاتهم حيلاً عديدة للتفريق بينهم”.

من جهة أخرى تحرص بعض الأمهات على تحديد الأكبر والأصغر سناً بين التوأمين مع إبراز سمات خاصة لكل واحد منهما وفقاً لذلك، يقول ماجد وهو أب لتوأمين: “اتبعنا في سبيل ذلك طريقة الألوان فكان ارتداء اللون الأزرق مقتصراً على كمال دون كامل”. تُعبر هذه الممارسات الشائعة جداً عن قلق الوالدين وخوفهما الشديد من فكرة عدم قدرتهما على التفريق بين توأميهما، وترى مختصة العلاج النفسي نيكول ألبي (Nicole Alby)، وهي أم لتوأمين، أن إصرار الآباء والأمهات على منح كل توأم تفرده الخاص هي ممارسة ذات دلالات إيجابية وعلى العكس من ذلك فإن محاولة تقريب التوأمين المتشابهين من بعضهما بعضاً على نحو كبير، كإلباسهما الملابس ذاتها مثلا، لا يعد سلوكاً صحياً.

عندما يكبر التوأمان لا تعود هنالك حاجة لدلالات التمييز هذه، إذ يتمكن كل منهما من تأكيد تفرده، ما ينهي أي مظهر من مظاهر الالتباس بينهما، وتقول نيكول ألبي: “لكن المشكلة الأكبر هي شعور الوالدين بأنهما مقصران تجاه طفليهما التوأمين عندما لا يتمكنان من تلبية مطالب كل منهما على حدة، ومن ثم فإن ذلك يؤدي إلى شعورهما بالذنب والإحباط”. تقول سوسن وهي أم لبنتين توأمين: “ذات يوم كنت أريد الخروج مع ابنتيّ التوأمين ولأن الأولى كانت تعاني الأنفلونزا فقد خرجتُ رفقة الثانية، وبينما كنا نمشي اكتشفت أنها المرة الأولى التي نخرج فيها معاً بمفردنا”. وتوضح المعالجة أنه لا مبرر لخوف الأبوين من عدم منح طفليهما التوأمين الحب الكافي والمسألة الأساسية في تربية الطفل، سواء كان توأماً أم لا، ليست وجود الوالدين بقربه ومعه على الدوام بل معرفة كيفية مساعدته على تنمية شخصيته وتعزيز تفرده وتأكيد ذاته.

مشكلات مالية وعاطفية

لعل المشكلات المالية أول ما يواجه الأبوين بعد إنجاب توأمين إذ يجب أن يشتريا اثنين من كل غرض، وإضافةً إلى كثرة النفقات فإن الدخل يتضاءل أيضاً لأن معظم الأمهات يتخلين عن نشاطهن المهني بعد إنجاب التوائم.

من ناحية أخرى فإن قدوم مولود جديد بصورة عامة يؤثر سلباً عادةً في الحياة الزوجية، ومع قدوم توأمين فإن المشكلة ستكون أكبر إذ لا يجد الزوجان أي وقت لقضائه معاً. خلال أول شهرين من عمر طفليها تبحث الأم عن فرصة لإغماض عينيها والاسترخاء ولو للحظات، إذ يعاني الرضع من الانتفاخات وعسر الهضم في هذا العمر بعد تناول الطعام ومن ثم التقيؤ ويجدون بعد ذلك صعوبةً في العودة إلى النوم، وسيكون التعامل مع ذلك عند كل وجبة في حالة وجود طفلين مرهقاً جداً، يقول سمير وهو أب لتوأمين: “نضع الأول في سريره ثم نأخذ الثاني لنطعمه، أشعر وكأنني أصبحت مقدم رعاية آلياً”. لأشهر، يقضي الوالدان معظم وقتهما في التعاون على رعاية الطفلين وقد تتوقف العلاقة الحميمة بينهما خلال ذلك تماماً ولا سيما أن جسد المرأة الذي تأثر بالحمل قد لا يعود مثيراً بالنسبة إلى زوجها، بالإضافة إلى أن نظرات من حولها قد تكون قاسيةً عليها أحياناً. تقول بثينة: “لا أقول إن جسدي قبل الحمل كان يشبه جسد عارضة أزياء، لكنني عانيت زيادة في الوزن وترهلات إلى درجة أن الناس كانوا يظنون أنني أنتظر مولوداً ثالثاً، ما دفعني إلى إجراء جراحة لشد البطن”. وتقول ماسة وهي أم لتوأمين يبلغان من العمر 15 شهراً: “تعاني الأم أعراضاً جسدية أكثر حدة بعد ولادة توأمين مقارنةً بولادة طفل واحد، كآلام الظهر والأمعاء وغيرها، وكل ذلك يحد من رغبتها الجنسية”.

غيرة الإخوة والأخوات

في خضم كل هذا قد يصعب على الوالدين أيضاً إيجاد الوقت الكافي لأطفالهما الأكبر سناً ويوضح الدكتور بونس قائلاً: “عندما يكون الطفل الأكبر سناً مدللاً ومقرباً من والديه فقد يشعر بغيرة شديدة عندما ينجبا توأمين وهذا ما لاحظه ماجد الذي يقول: “تبلغ ابنتي سمارة 7 أعوام وعلى الرغم من أن مكانتها لم تكن يوماً محلاً للنقاش، فقد واجهتني ووالدتها صعوبة كبيرة في إقناعها بأنّ اهتمامنا بشقيقيها التوأمين لن ينقص من حبنا لها”. من جهة أخرى، لا يواجه بعض الآباء والأمهات هذه المشكلة، تقول رنا: “لم نشهد مشكلة الغيرة بين ابنتي الكبرى والتوأمين ولا سيما أنهما صبيّان، وأنها حصلت على نصيبها من الاهتمام كفتاة تنظر إلى نفسها كأميرة صغيرة”. عند قدوم التوأمين يشكل أشقاؤهما الأكبر نوعاً من التحالف فيما بينهم، ويشعر الطفل الأكبر سناً بصورة خاصة أحياناً أنه تعرض للرفض في حين يسعى الأشقاء الأصغر سناً إلى استعادة مكانهم الذي شعروا أنهم فقدوه.

تجربة صعبة لكن ثمارها لا تقدر بثمن

خلال خوض هذه الفترة الصعبة تتخذ الحياة الزوجية شكلاً جديداً، فبسبب الإرهاق النفسي الذي عاناه عماد وليلى بعد إنجاب توأمين، كان طلاقهما وشيكاً. يقول عماد: “تجنباً لذلك، ابتعدنا عن بعضنا بعضاً بضعة أشهر ما سمح لكل منا بإدراك مدى حبه للآخر”.

من جهة أخرى تتغير في أغلب الأحيان القواعد المتعلقة بدور الأب والأم في المنزل، إذ تقول عالمة النفس المتخصصة في حالات الحمل بتوائم كاثرين توريت (Catherine Tourette) وهي أم لخمسة أولاد بينهم توأمان يبلغان 16 عاماً: “عند إنجاب توائم يمكن أن تزداد الفروقات بين الأدوار التقليدية للأب والأم، أو على العكس يمكن أن تتلاشى، فإما أن يهرب الأب من هذا الوضع وينغمس أكثر في عمله مثلاً، وإما أن يشارك الأم أكثر في مسؤوليتها فيتساوى الاثنان في تحمل الأعباء. إذاً هل يمكن القول إن إنجاب توأمين يمثل تجربةً قاسيةً؟ تقول ماسة: “لا إنه تحدٍ لكنه مثمر وإيجابي”، وتضيف سلمى: “إنها تجربة لا تخلو من الصعوبات لكن حالما تمر ستدركين أنها تجربة رائعة، أولاً بسبب التفاعل العاطفي المذهل بين التوأمين، كما أنهما سيكونان أقل تطلباً بمرور الوقت مقارنة بالطفل الوحيد، فيلعبان معاً ويشغل كل منهما وقت الآخر، ولكن لا شك أنكِ ستمرين بسنة صعبة قبل ذلك”.

تقول كاثرين توريت: “يجب ألا نقلل من حجم الصعوبات التي ترافق إنجاب التوائم، ولا سيما تلك المالية التي قد تكون كارثية في ظل بعض الظروف الاقتصادية، ما قد يؤدي إلى حالة من الإحباط تخيم على الأبوين، لكن بعد تجاوز كل ذلك، ستتغير فلسفتهما تجاه الحياة، فهذه التجربة تعزز روح الفكاهة لديهما وتجعلهما أقوى وأكثر إدراكاً لأولوياتهما وأكثر قدرةً على تنظيم أفكارهما، وبسبب وجود التوأمين رفقة بعضهما يصبح الانفصال عنهما وقضاء وقت من دونهما أسهل. تقول جمانة وهي أم لأربعة أطفال، جميل وجمال توأمان في سن الخامسة وسامر في سن الرابعة وأحمد في سن الثانية عشرة: “لقد علَّمَنا إنجاب توأمين ضرورة إنجاز المهمات الملحة دون تأجيل، وأصبحت تصرفاتنا أكثر وعياً فلم نعد نضخم توافه الأمور”. من جهته تعلم وسام، وهو أب لتوأمين، كيف ينام في أي وضعية حتى جالساً.

يرى الآباء والأمهات أن التوائم أقل اعتماداً على من حولهم وأكثر ميلاً للمشاركة، وتقول مختصة علم النفس الاجتماعي، مونيك روبن (Monique Robin) في مقابلة مع مجلة المدرسة الأبوية (Revue de l’école des parents) في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1992: “عندما ترجع الأم إلى عملها مجدداً، فإن انفصال الطفلين عنها سيكون أسهل لأنهما يشكلان ثنائياً ويبقيان معاً دائماً”. أخيراً تتفق لبنى وجمانة على فكرة تعاطف المحيطين معك عندما يرون أن لديك توأمين، وتقول لبنى: “يهرع الناس والجيران إلى مساعدتي كلما رأوني، وبسبب ذلك فقد توطد الكثير من علاقاتي السطحية، إن كمّ اللطف الذي تثيره رؤية التوائم كبير بالفعل”.

المحتوى محمي !!