هل كان أينشتاين مصاباً بمتلازمة أسبرجر؟

5 دقيقة
متلازمة أسبرجر
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: متلازمة أسبرجر هي نوع من اضطرابات طيف التوحد عالي الأداء، يعاني المصاب خلالها من صعوبة في تنمية المهارات الاجتماعية مع تركيز الاهتمام على موضوع محدد. أشار العديد من الأطباء النفسيين والعلماء في علم النفس إلى احتمالية إصابة أينشتاين بهذه المتلازمة، فماذا قالوا؟

مع تركيزه العالي على مجال محدد من الموضوعات العلمية المعقدة، وتجاهله الأعراف الاجتماعية خلال طفولته، وعدم احترام معلميه، ومظهره الأشعث غير المرتب، فهل كانت هذه الخصائص التي أظهرها أينشتاين سمات تدل إلى إصابته بمتلازمة أسبرجر؟ أم أن حسه الفكاهي وعلاقته الطيبة مع المعجبين قد تُسقط عنه الإصابة بهذه المتلازمة؟ فما هي متلازمة أسبرجر؟ وما أعراضها؟ وهل فعلاً كان أينشتاين مصاباً بها؟

اقرأ أيضاً: كيف ولدت عبقرية إيلون ماسك من رحم معاناته؟

ما هي متلازمة أسبرجر؟

متلازمة أسبرجر هي اضطراب بيولوجي عصبي يتعلق بنمو دماغ الطفل، وما زالت أسبابها غير مفهومة تماماً، فقد تؤدي العوامل الوراثية أو تشوهات الدماغ دوراً في حدوثها، وبالطبع لا دخل لتربية الطفل أو سوء الأمومة أو الأبوة في تطورها. غالباً ما تصيب هذه المتلازمة الذكور أكثر من الإناث بنحو 3 – 4 مرات، ويُشخَص معظم الحالات بين سن الخامسة والتاسعة، وبعضها قد يُشخَّص مبكراً في سن الثالثة.

إذا قابلت شخصاً مصاباً بمتلازمة أسبرجر، فغالباً ما ستلاحظ شيئين على الفور؛ أولاً أنه ذكي مثل باقي الناس لكن لديه بعض المشكلات المتعلقة بالمهارات الاجتماعية، وثانياً أنه يميل إلى التركيز بشكل هوسي على موضوع واحد أو القيام بالسلوكيات نفسها مراراً وتكراراً.

في الواقع، وعلى الرغم من أن الناس ما زالوا يستخدمون مصطلح “أسبرجر”؛ لكن منذ صدور أحدث نسخة من الكتاب المرجعي المُسمى “الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية” (The Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders) عام 2013 الذي يستخدمه خبراء الصحة النفسية، فإن هذه المتلازمة لم تعد من الناحية الفنية تشخيصاً وحالة منفردة كما اعتاد الأطباء اعتبارها سابقاً؛ بل باتت تُعَد اليوم جزءاً من فئة أوسع من “اضطرابات طيف التوحد” حيث تتميز هذه المجموعة من الاضطرابات ذات الصلة ببعض الأعراض المشتركة.

حالة أسبرجر هي ما يطلق عليها الأطباء اليوم “اضطراب طيف التوحد عالي الأداء” (High-functioning of Autism Spectrum Disorder)، وهذا يعني أن الأعراض تكون أقل حدة من بقية الأنواع الأخرى من اضطراب طيف التوحد.

اقرأ أيضاً: اضطراب طيف التوحد: دليل شامل من الأسباب إلى الأعراض والعلاج

أعراض متلازمة أسبرجر

يُظهر الأشخاص المصابون بمتلازمة أسبرجر مهارات اجتماعية ضعيفة، وهواجس، وأنماط كلام غريبة، وتعبيرات وجه محدودة، وسلوكيات غريبة أخرى. وعلى الرغم من اختلاف الأعراض بين الأشخاص المصابين، فإن ما يميزهم هو غرابة علاقاتهم الاجتماعية واهتماماتهم الهوسية. بشكل عام، فقد تلاحظ واحداً أو أكثر من الأعراض التالية عند المصاب بمتلازمة أسبرجر:

  • تفاعلات اجتماعية قليلة أو غير ملائمة للموقف.
  • إجراء محادثات تدور حول موضوع محدد دائماً أو حول أنفسهم فقط.
  • عدم فهم مشاعر الآخرين جيداً وإبداء تعابير أقل على الوجه.
  • التحدث بنبرة غير عادية قد تبدو آلية، أو باستخدام نبرة عالية أو هادئة أو حادة.
  • عدم استخدام التواصل غير اللفظي مثل الإيماءات ولغة الجسد وتعابير الوجه، أو فهمه.
  • الهوس الشديد بموضوع واحد أو موضوعين محدَّدَين ضيقَين.
  • الشعور بالضيق من أي تغييرات في الروتين المعتاد عليه.
  • حفظ المعلومات والحقائق المفضلة بسهولة.
  • عدم فهم مشاعر الآخرين أو وجهات نظرهم.
  • فرط الحساسية تجاه الأضواء والأصوات وغيرها من المنبهات الحسية.
  • صعوبة إدارة العواطف؛ ما قد يؤدي إلى نوبات سلوكية أو لفظية أو نوبات غضب أو سلوكيات مؤذية للنفس.
  • حركات يدوية غير متسقة مثل صعوبة الكتابة اليدوية.

لا يُظهِر الأطفال المصابون بمتلازمة أسبرجر غالباً أي تأخر في تطور اللغة أو مشكلات في الانتباه والتنظيم، ومن المحتمَل أن يتمتعوا بمهارات نحوية جيدة ومفردات متقدمة، وقد لا يعانون من أي تأخير واضح في نموهم المعرفي. ومع ذلك، فعادة ما يكون لديهم مستوى ذكاء متوسط.

لا يوجد علاج فعلي شافٍ لمتلازمة أسبرجر، ونظراً لاختلاف كل حالة؛ تُعطى خطة علاج وفقاً لاحتياجات كل طفل تُعدَّل بمرور الوقت عند تغير الاحتياجات. تشمل خطة العلاج التدريب على المهارات الاجتماعية، ودعم السلوك، والعلاج السلوكي المعرفي، وتقويم الكلام واللغة، والعلاج الوظيفي، والفصول الدراسية الخاصة، والأدوية.

اقرأ أيضاً: بينهم الرئيس بايدن: تعرَّف إلى مشاهير عانوا من التلعثم

هل كان أينشتاين مصاباً بمتلازمة أسبرجر؟

يعتقد العديد من الناس وبعض الأطباء والعلماء النفسيين أن أينشتاين كان مصاباً بمتلازمة أسبرجر، فقد أشار أستاذ علم النفس في جامعة غريفيث في أستراليا، توني أتوود إلى احتمالية إصابة أينشتاين بحالة من التوحد الخفيف، ويعتقد أتوود أن معظم التطورات الرئيسية في العلم والفن قد تحققت على أيدي أشخاص مصابين بمتلازمة أسبرجر من موتسارت إلى أينشتاين، على حد أقواله.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى الباحث إيوان جيمس؛ الذي ذكر في دراسته المنشورة في “مجلة الجمعية الملكية للطب” (Journal of the Royal Society of Medicine) أن ألبرت أينشتاين وإسحاق نيوتن كانا مصابين بمتلازمة أسبرجر. وذكر الباحث إنه وخلال كتابته عن الفيزيائيين المشهورين، استشار الطبيب النفسي رئيس مركز أبحاث التوحد في كامبريدج، سيمون بارون كوهين الذي وافق على أن إصابة أينشتاين ونيوتن بمتلازمة أسبرجر مؤكدة إلى حد ما.

اقرأ أيضاً: بماذا أصيبت ليدي غاغا وأديل؟ تعرف إلى اضطرابات الفنانين النفسية

بالإضافة إلى جيمس، يعتقد أستاذ الطب النفسي للأطفال والمراهقين في كلية ترينتي في دبلن، مايكل فيتزجيرالد، وفقاً لما جاء في دراسته المنشورة في “دورية التوحد واضطرابات النمو” (Journal of Autism and Developmental Disorders)، أن أينشتاين ذو شخصية متوافقة مع متلازمة أسبرجر؛ حيث أظهر أينشتاين ضعفاً مبكراً في التواصل ولم يتحدث قبل سن الثالثة، وكان يكرر الجمل بقلق شديد؛ كما أظهر اهتماماً كبيراً في مجال محدد ومعقد وهو التفكير المجرد والرياضي.

بالإضافة إلى أن أينشتاين كان أستاذاً جامعياً شارد الذهن، وغالباً ما ينسى الأمور اليومية كالمفاتيح، في حين يركز باهتمام كبير على حل المشكلات الفيزيائية لدرجة أنه غالباً ما يكون غافلاً عن محيطه، بالإضافة إلى علاقته الصعبة مع زوجته.

ويُنسب إلى أينشتاين قوله : “إن شعوري العاطفي بالعدالة والمسؤولية الاجتماعية يتناقض بشكل غريب مع افتقاري إلى الاتصال المباشر مع البشر والمجتمعات البشرية الأُخرى. أنا حقاً مسافر وحيد ولم أنتمِ أبداً إلى بلدي أو منزلي أو أصدقائي أو حتى عائلتي المباشرة، من كل قلبي، وفي مواجهة هذه الروابط كلها، فأنا لم أفقد أبداً الإحساس بالمسافة والحاجة إلى العزلة”.

في المقابل، لم يقتنع الطبيب النفسي في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، غلين إليوت، أن أياً من العالمين سواء أينشتاين أو نيوتن كان مصاباً بمتلازمة أسبرجر. ويقول إليوت: “يمكن للمرء أن يتخيل عباقرة غير مؤهلين اجتماعياً ولكنهم غير مصابين بالتوحد، فقلة صبر هؤلاء ونرجسيتهم وشغفهم بما يقومون به بالتزامن مع البطء الفكري للآخرين قد يجعلهم منعزلين تصعب عليهم العلاقات الاجتماعية”. وأضاف إن أينشتاين كان يتمتع بروح الدعابة، وهي سمة غير معروفة تقريباً لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة أسبرجر.

وهو ما يؤيده كاتب سيرة أينشتاين، والتر إيزاكسون مشيراً إلى أن اهتمامات أينشتاين الرومانسية وتفاعلاته الحماسية مع الناس أظهرت وجود علاقة عاطفية جيدة مع الآخرين، وهو ما ظهر واضحاً بعد أن حقق أينشتاين الشهرة وحصل على جائزة نوبل؛ حيث سافر كثيراً للتحدث مع المعجبين.

في حين ذكر العالمان النفسيان مايكل فيتزجيرالد وفيكتوريا ليونز في دراسة منشورة في “دورية التوحد واضطرابات النمو” (Journal of Autism and Developmental Disorders)، إن الأبحاث السائدة أظهرت أن الأفراد المصابين بالتوحد ومتلازمة أسبرجر يعانون من ضعف في تقدير وفهم الفكاهة، على الرغم من أن التقارير القصصية والأبوية تقدم أدلة على عكس ذلك. ويعتقد العالمان أن قلة من المصابين بمتلازمة أسبرجر، خصوصاً الموهوبين رياضياً، قد يمتلكون حساً فكاهياً فوق المتوسط بسبب شخصياتهم غير العادية وخبراتهم وذكائهم، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من البحث.

ختاماً، قد يكون من الصعب اليوم الجزم فيما إذا كان أينشتاين مصاباً بمتلازمة أسبرجر أو لا، خصوصاً وأنه قد توفي قبل أن تصبح هذه الحالة معروفة أساساً؛ لكنه سواء كان أو لم يكن مصاباً بمتلازمة أسبرجر، فمن المؤكد أنه كان عبقرياً.

المحتوى محمي !!