7 أسئلة عن الاكتئاب يجيب عنها مختص في التحليل النفسي

المصاب بالاكتئاب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الاكتئاب هو اضطراب نفسي يُضعف قدرة المصاب به على الاستمتاع بالحياة ولكنه لا يقتلها تماماً، ووفقاً لمختص التحليل النفسي موسى نبطي فإنه يمكن أن يمثل أيضاً فرصةً حقيقية للتعافي من جروح الماضي، فكيف ذلك؟ يقدم لكم المختص إجابة هذا السؤال وأسئلة أخرى عن الاكتئاب من خلال السطور التالية.

هل يستعيد مريض الاكتئاب الشعور بمتعة الحياة بعد إنهاء العلاج؟

موسى نبطي: “لا يعِد التحليل النفسي مريض الاكتئاب بالسعادة أبداً لكنه يساعده على استعادة الطاقة التي استهلكها في محاربة الاكتئاب وتسخيرها في خدمة أهدافه الجديدة، فهو يستعيد مرونته وقدرته على الإبداع ويحرر ذهنه، والتعافي لا يعني شعور الإنسان بالسعادة بل شعوره بأنه على قيد الحياة مجدداً. خلال كفاحه، يشعر مريض الاكتئاب بأنه لم يعد على قيد الحياة لأن هذا الكفاح يسلبه القدرة على الشعور بأي لذة، وعندما يتخطى ذلك سيكون قادراً على قبول المشاعر كلها بما في ذلك الفرح والحزن. وبخلاف الثقافة السائدة التي تجد صعوبة في الجمع بين الأضداد فإن السعادة والحزن لا يستبعد أحدهما الآخر”.

أنت تقول إن المصاب بالاكتئاب محظوظ، ألا تجد ذلك مستفزاً نوعاً ما؟

موسى نبطي: “نعم، أنا أدرك أن ثقافتنا القائمة على مذهب المتعة ترفض الألم ولذلك قد يبدو كلامي مزعجاً بعض الشيء؛ لكن وجهة نظري هي أن الاكتئاب يمثل لصاحبه فرصة للتعافي نهائياً من جروح الماضي، وليس المقصود بذلك أنه محظوظ لإصابته بالاكتئاب”.

ما آلية حدوث الاكتئاب؟

موسى نبطي: “بخلاف الاعتقاد السائد، لا ينجم الاكتئاب عن حدث مؤلم آنيّ كالفصل من العمل أو الطلاق أو الفجيعة بوفاة عزيز فهذه المِحن توقظ جرحاً قديماً لم يندمل، والاكتئاب في مرحلة الرشد يكون دائماً انعكاساً لاكتئاب الطفولة المبكرة الذي يطفو على السطح من جديد”.

كيف يحدث اكتئاب الطفولة المبكرة؟

موسى نبطي: “يحدث الاكتئاب عندما لا يعيش الطفل طفولة سليمة فلا يحاط بالحب والاهتمام والدعم اللازمين، وهو يشعر بالذنب حيال الأمر كأي طفل لم يحظَ بالحب ويلوم نفسه على الإساءة التي تعرّض لها، ثم يكبت شعوره هذا في داخله ويحارب خيبة أمله ليتمكن من الاستمرار. وفي سن الرشد يدفعه شعوره بالذنب إلى معاقبة نفسه من خلال حرمانها من تذوق السعادة، فتراه يضع رغبات الآخرين فوق رغباته على الدوام في محاولة عبثية لإثبات “براءته” لهم، وعندما يتعرض لموقف أليم يعاود ما عاناه في الطفولة الظهور مجدداً”.

لكن بعض الناس قد يصاب بالاكتئاب دون أي عامل محفز، صحيح؟

موسى نبطي: “نعم صحيح، وقد يبدو لنا أن لدى هؤلاء الناس أسباب السعادة الممكنة كلها ولكن الحقيقة هي أنهم استخدموا آليات دفاعية لكبت معاناتهم تجلت في نضالهم لتحقيق النجاح في حياتهم المهنية والعائلية، ومن المفارقات أنه في اليوم الذي يصلون فيه إلى أهدافهم المنشودة، يجدون أنفسهم وجهاً لوجه مع أنفسهم؛ مع آلامهم التي تختفي وراء الجهد الذي بذلوه لتحقيق هذه النجاحات. إذاً الخلاصة هي أنه يمكن أن يصاب المرء بالاكتئاب سواء سارت حياته على ما يرام أو لا فالسبب الرئيس واحد”.

ما الذي يتطلبه الأمر إذاً ليكون الاكتئاب فرصةً للتعافي من الماضي؟

موسى نبطي: “يسمح الاكتئاب للمرء في سن الرشد بالتخلي عن آلية الإنكار التي أجدت نفعاً معه في الطفولة وساعدته على الاستمرار ولم تعد كذلك الآن، فعندما يظهر الاكتئاب هذا يعني أنه أصبح جاهزاً نفسياً ولديه القوة الكافية لمواجهته. وليكون الاكتئاب فرصةً له للتعافي يجب أن يتقبله الإنسان على حقيقته وهي أنه رسالة من اللاوعي وليس مرضاً يجب القضاء عليه، وأن يدرك أن التعامل مع هذه الرسالة يتطلب تأملاً للنفس ومراجعةً للماضي بمساعدة مختص في التحليل النفسي، لفهم ما حدث خلال مرحلة الطفولة”.

لكن لمَ ينتكس بعض الأشخاص بعد العلاج؟

موسى نبطي: “بالنسبة إليّ، أرى أن ذلك يعود إلى عدم إجراء تحليل نفسي متعمق واستعجال التحسّن غالباً. يقترح الكثير من النُهُج العلاجية عدم الخوض مطولاً في ماضي المرء والتطلع إلى المستقبل بدلاً من ذلك من خلال تبنّي الأفكار الإيجابية؛ ولكن إذا لم نعالج الطفل الكامن في داخله فإن الاكتئاب سيعاود الظهور مجدداً، فتقبل الماضي والخوض فيه لا إنكاره هو السبيل إلى التخلص من الاكتئاب. أود أن أضيف إنه إذا كانت الأدوية وسيلة مساعدة مؤقتة ولا غنى عنها لتخفيف المعاناة فلا ينبغي أن تحل محل التحليل النفسي، ويمكن تشبيه تأثيرها بتأثير المسكنات التي يتناولها من يُصاب بكسر في العظم فهي تسكن الألم لكنها لن تساعد على التئام الكسر. أخيراً دعونا لا نُغفل حقيقة أن بعض الناس يجد في الاكتئاب الكثير من الفوائد الثانوية مثل الحصول على العطف والاهتمام من المحيط ولهذا فقد يفضل دون وعي منه أن يبقى حبيس اكتئابه”.

المحتوى محمي !!