من هو هنري موراي رائد نظرية احتياجات الإنسان النفسية المكوِّنة للشخصية؟

هنري موراي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل قابلت يوماً ذلك الشخص الذي دائماً ما يكون مثل “بقعة زيت” طافية على سطح الماء؛ عصياً على الاندماج مع أي مجموعة يتواجد فيها؟
بينما يصفه البعض بأنه ذو شخصية معادية للمجتمع، ويميل البعض الآخر لوصفه بالمتغطرس، فقد يكون سلوك ذلك الشخص مدفوعاً بحاجته الملحّة للهيمنة والسيطرة على الآخرين؛ ما يجعله رافضاً للاندماج معهم، فإن الحاجة للانتماء، وإن كانت موجودة لديه بنسبة معينة، تغلبها الحاجة للهيمنة التي تدفعه لتلك السلوكيات.

تلك الاحتياجات النفسية؛ مثل الهيمنة والانتماء والإنجاز وغيرهم، حددها عالم النفس الأميركي الشهير “هنري موراي” (Henry Murray)، وباندماجها معاً تحدد شخصيتنا.

من هو هنري موراي؟

وُلد هنري موراي في 13 مايو/آيار عام 1893 بمدينة نيويورك، وأتم دراسته الجامعية في التاريخ بجامعة هارفارد في عام 1915. وبعد أكثر من عقد من الزمان، حصل على درجة الماجستير في الطب وعلم الأحياء من جامعة كولومبيا؛ حيث بدأ اهتمامه أيضاً بعلم النفس.

كان موراي شديد الإعجاب بعالم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليلي، كارل يونغ؛ أعماله ونهجه وطريقته في التحليل النفسي. وبعد مقابلة الأخير في عام 1925، دفع ذلك اللقاء موراي إلى تحويل مساره المهني بشكل رسمي إلى مجال علم النفس.

أصبح موراي محاضراً بمركز هارفارد للصحة النفسية، ثم مديراً له من عام 1928 إلى عام 1937. ولما كانت لديه خلفية طبية واسعة وتدريب في مجال التحليل النفسي، فقد أحدث عمله تغييراً فريداً من نوعه. كما أدى عمله في عيادة هارفارد للطب النفسي دوراً رئيسياً في تشكيل علم النفس الأكاديمي الأميركي.

في عام 1938، جندت الحكومة الأميركية موراي لتحليل شخصية “أدولف هتلر”، فالتحق مؤقتاً بالجيش الأميركي في الحرب العالمية الثانية، وعمل مع وكالة الاستخبارات الأميركية.

عاد موراي بعد الحرب إلى عمله بجامعة هارفارد في عام 1947 كمحاضر، وأصبح أستاذاً في علم النفس الإكلينيكي في عام 1951، ثم تقاعد من عمله بالجامعة عام 1962، وتوفي في 23 يونيو/ حزيران عام 1988 نتيجة إصابته بالالتهاب الرئوي.

العناصر المكوِّنة للشخصية

يعكس نهج موراي في علم النفس وبحثه في العناصر المكوِّنة للشخصية؛ مثل العواطف والتفضيلات والميول السلوكية، تنوع أعماله وتطبيقاتها اللاحقة في عدة مجالات؛ من تحليل سلوك الموظفين وتقييم سلوك المجرمين وغيرها.

طوَّر موراي نظرية الشخصية القائمة على الاحتياجات النفسية في عام 1938، وهي تشير إلى أن شخصياتنا انعكاس للسلوكيات التي تتحكم فيها الاحتياجات التي توجد في مستوى اللاوعي لدينا.

وفي حين أن تلك الاحتياجات مشتركة بين الجميع؛ إلا أنها توجد بدرجات متفاوتة لدى كل شخص؛ حيث تؤدي المستويات الفريدة لاحتياجات كل شخص دوراً رئيسياً في تشكيل شخصيته الفردية.

كما يشير إلى أن العوامل البيئية لها دور مهم في كيفية إظهار هذه الاحتياجات النفسية في السلوك. تنقسم تلك الاحتياجات لنوعين:

  1. احتياجات أساسية: تشمل الاحتياجات البيولوجية؛ مثل الطعام والماء والهواء.
  2. احتياجات ثانوية: تشمل الحاجات النفسية؛ مثل الحاجة إلى الإنجاز والرعاية والاستقلال. وفي حين أن هذه الاحتياجات قد لا تكون أساسية للبقاء على قيد الحياة؛ إلا أنها ضرورية للصحة النفسية.

الاحتياجات النفسية

ورغم أن كل احتياج مهم في حد ذاته فإن موراي يعتقد أيضاً أن بعض الاحتياجات يمكن أن تكون مترابطة؛ تدعم بعضها البعض، بينما تتعارض بعض الاحتياجات مع غيرها.

على سبيل المثال؛ قد تتعارض الحاجة إلى الهيمنة مع الحاجة إلى الانتماء عندما يؤدي التحكُّم المفرِط في السلوك إلى إبعاد الأصدقاء وأفراد العائلة والشركاء.

تتمثّل الاحتياجات النفسية في:

1. احتياجات الطموح

ترتبط احتياجات الطموح بالحاجة إلى الإنجاز والحصول على التقدير. ففي حين يتم التعبير عن الحاجة للإنجاز بالسعي نحو النجاح وتحقيق الأهداف والتغلُّب على العقبات؛ تتم تلبية الحاجة إلى التقدير من خلال اكتساب مكانة اجتماعية والتباهي بالإنجازات أمام الآخرين.

على سبيل المثال؛ كشف بحث منشور في مجلة علم النفس التطبيقي (Journal of Applied Psychology) حول الحاجة إلى الإنجاز، أن الأشخاص المدفوعين بالحاجة إلى الإنجاز يميلون إلى اختيار المهام الصعبة.

2. الاحتياجات المادية

تركِّز الاحتياجات المادية على الاستحواذ والنظام والاقتناء. غالباً ما تتضمن هذه الاحتياجات الحصول على الأشياء وامتلاكها؛ مثل شراء الأشياء المادية التي نرغب فيها. في حالات أخرى؛ تجبرنا هذه الاحتياجات على خلق أشياء جديدة.

3. احتياجات القوة

تميل احتياجات القوة إلى التركيز على استقلالنا وكذلك حاجتنا للسيطرة على الآخرين. تشمل احتياجات القوة الرئيسية الأخرى:

  • الإذلال: ينطوي على الاعتراف بالذنب والاعتذار.
  • العدوان: المهاجمة أو السخرية من الآخرين.
  • تجنُّب اللوم: الامتثال للقواعد والقوانين.
  • الإذعان: طاعة الآخرين والتعاون معهم.

4. احتياجات المودّة والتعاطف

يتركز ذلك الاحتياج على رغبتنا في حب الآخرين والحصول على الحب والتعاطف في المقابل، فنحن بحاجة إلى الانتماء والبحث عن رفقة أشخاص آخرين. تتضمن تلك الحاجة إلى الدعم ومساعدة الآخرين أو حمايتهم.

وجدت دراسة منشورة في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (Journal of Personality and Social Psychology) أن الأشخاص ذوي الحاجة المرتفعة للانتماء يميلون إلى أن تكون لديهم مجموعات اجتماعية أكبر، ويقضون وقتاً أطول في التفاعل الاجتماعي، وأكثر عرضة للمعاناة من الوحدة عند الافتقار للتواصل الاجتماعي.

وبينما قد يكون جوهر تلك الحاجة التركيز على بناء العلاقات والصلات؛ أدرك موراي أيضاً أن الرفض قد يكون حاجة أساسية. في بعض الأحيان؛ يُعدّ إبعاد الناس أمراً مهماً للحفاظ على الصحة العقلية حين تكون العلاقات غير صحية وتمثِّل ضرراً كبيراً على رفاهية الفرد.

5. احتياجات المعلومات

تتمحور احتياجات المعلومات حول اكتساب المعرفة ومشاركتها مع الآخرين. وفقاً لموراي فالناس لديهم حاجة فطرية لمعرفة المزيد عن العالم من حولهم من خلال طلب المعرفة وطرح الأسئلة.

اختبار الإدراك الموضوعي

طور موراي في ثلاثينيات القرن الماضي مع الباحثة “كريستينا مورغان” “اختبار الإدراك الموضوعي” (Thematic Apperception Test – TAT)؛ وهو اختبار إسقاطي يتضمن وصف المشاهد الغامضة، ويُعرف باسم “تقنية تفسير الصور”.

يُعدّ هذا الاختبار أحد أكثر اختبارات الشخصية استخداماً إلى اليوم، ويتم استخدامه في العديد من الدراسات التي تتناول الشخصية والتحفيز.

يساعد هذا الاختبار في الكشف عن الحالة النفسية وتقييم أنماط السلوك وكشف الاستجابات الانفعالية للأفراد بالتعامل مع الجانب اللاشعوري، بدلاً من الردود على الأسئلة المباشرة.

يتمثَّل الشكل الأساسي للاختبار في:

  1. عرض مجموعة من بطاقات الصور التي تصوِّر مجموعة متنوعة من الشخصيات الغامضة. قد تشمل تلك الصور رجالاً ونساءَ وأطفالاً، وشخصياتٍ غير واضحة المعالم، وأشكالاً لا تشبه الإنسان، وكذلك صوراً فارغةً تماماً.
  2. يُطلب من المريض سرد قصة قدر الإمكان لكل صورة معروضة؛ بما في ذلك: السبب الذي أدى لذلك الحدث، ماذا يحدث في المشهد، خواطر ومشاعر الشخصيات، بالإضافة إلى نتيجة القصة.

يستخدم المعالجون هذا الاختبار لكشف عدة جوانب في شخصية المريض مثل:

  1. معرفة المزيد عن الشخص: بهذه الطريقة يمكن معرفة معلومات مفيدة حول الصراعات العاطفية المحتمَلة التي قد يعاني منها الشخص.
  2. مساعدة الناس على التعبير عن مشاعرهم بطريقة غير مباشرة: قد يكون المريض غير قادر على التعبير عن شعور معين بشكل مباشر؛ لكن قد يكون قادراً على تحديد المشاعر عند النظر إليها من منظور خارجي.
  3. استكشاف الموضوعات المتعلقة بالتجارب الشخصية: قد يفسّر الأشخاص الذين يتعاملون مع مشكلات مثل فقدان الوظيفة أو الطلاق أو المشكلات الصحية، المشاهد الغامضة والمتعلقة بظروفهم الفريدة بطريقة تسمح باستكشاف أشياء يبقونها محجوبة في تفاعلاتهم العادية؛ ما يساعد في مسار العلاج.
  4. تقييم اضطرابات الشخصية: يُستخدم الاختبار أحياناً كأداة لتقييم اضطرابات الشخصية أو التفكير.
  5. تقييم حالة المشتبه في ارتكابهم جرائم: قد يجري الأطباء هذا الاختبار على المجرمين لتقييم مخاطر العودة إلى الإجرام أو تحديد ما إذا كان الشخص يتطابق مع ملف أحد المشتَبَهين في ارتكابه جريمة.
  6. فحص المرشحين للوظائف: يُستخدم هذا الاختبار أحياناً لتحديد ما إذا كان الأشخاص مناسبين لأداء أدوار معينة، لا سيما المواقف التي تتطلب التعامل مع الإجهاد وتقييم المواقف الغامضة؛ مثل القيادة العسكرية وتطبيق القانون.

وأخيراً، فإن نهج هنري موراي في التحليل النفسي لا يتوقف عند فحص وتشخيص حالات المرض والاضطرابات النفسية؛ بل هو نهج شامل لتحليل الشخصية ومكوناتها.

المحتوى محمي !!