اطمئن، حديثك مع نفسك ليس جنوناً، فكيف تستثمر فوائده؟

5 دقائق
حديثك إلى نفسك
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

هل رأيت شخصاً يمشي في أحد الشوارع ويتحدث إلى نفسه؟ غالباً مر الكثير منا بهذا الموقف باختلاف نغمة الحديث من الهمس الخافت إلى الصراخ المدوي، وهذا السلوك في حد ذاته لا يمكن الحكم عليه بأنه آمن أو خطير عموماً. بحسب مختص العلاج النفسي معتز العتيبي، إذا كان الحديث إلى النفس سلبياً فيمكن أن يكون سبباً للاضطراب النفسي، أما إذا كان إيجابياً فسيؤدي إلى تعزيز الصحة النفسية؛ لأنه في الحالة الأولى سيزيد معدل القلق والتوتر، بينما في الحالة الثانية سيزيد ثقة الشخص بنفسه وهدوئه وتركيزه. لذا نستعرض في مقالنا أهم الفوائد التي يمكن اغتنامها من الحديث إلى النفس، وكيفية منعه من التحول إلى عائق يعرقل حياتنا.

ما هي الفوائد التي يمكن أن تجنيها من حديثك إلى نفسك؟

مبدئياً أود إخبارك ببساطة: "حديثك إلى نفسك ليس جنوناً"؛ هذه ليست مقولة عشوائية من جانبي بل حقيقة علمية أثبتتها الدراسات، ومنها دراسة نشرتها مجلة علم النفس التجريبي (Quarterly Journal of Experimental Psychology) توصل من خلالها الباحثون إلى أن للحديث إلى النفس فوائد عديدة في مقدمتها سرعة العثور على الأشياء، إذ أُجريت تجربة طُلب خلالها من المشاركين البحث عن منتج في متجر للمرة الأولى بوضع نص مثل: "الرجاء البحث عن إبريق الشاي" وفي المرة الثانية طُلب منهم قول الجملة لأنفسهم بصوت مسموع، وكانت النتيجة أنهم في المرة الثانية عثروا على إبريق الشاي في وقت أقل. لذلك ليس من المستغرب أن يحفز لاعبو الرياضات المختلفة أنفسهم بجمل، مثل: "لا بديل عن الفوز"، أو "يجب أن أحقق أفضل نتيجة ممكنة"، فهي ليست مجرد كلمات إنما وقود يدفع الشخص للإنجاز.

ويمكن أن يكون الحديث الإيجابي إلى النفس أيضاً وسيلة رائعة لتهدئتها في الأوقات الصعبة، وذلك بترديد جمل مثل: "كل شيء سيمر بسلام"، أو "الأمر ليس كارثياً كما يصوره دماغي"، وغيرها من الجمل الأخرى. فهو في هذه الحالة وسيلة لمقاومة الشعور بالقلق والاكتئاب وتعزيز الثقة بالنفس.

بالإضافة إلى أنه يمكن الاستعانة به لصنع حالة من المزاج الإيجابي؛ إذا استيقظت وخاطبت نفسك أن اليوم سيكون موفقاً وسعيداً، فستجد غالباً أن الأحداث تسير في هذا الاتجاه، وحتى في حال مواجهتك مواقف صعبة خلاله فستتمكن من التعامل معها بنظرة غير متشائمة.

اقرأ أيضاً: حديث النفس: لماذا أتحدث إلى نفسي كثيراً؟

كيف تحول حديثك إلى نفسك إلى ممارسة إيجابية؟

ثمة العديد من الإرشادات التي عليك اتباعها حتى يكون حديثك إلى نفسك وسيلة لتعزيز صحتك النفسية، أهمها:

  1. كن واعياً لما تريد تحقيقه من حديثك إلى نفسك: هل هي عادة سلبية تود تغييرها، أم فكرة تلاحقك ترغب في كبح جماحها، أم علاقة غير صحية تتطلع إلى تحجيمها؟ فذلك سيجعل الحديث إلى النفس وسيلة عملية للتطوير وليس مجرد كلمات عابرة تتبخر في الهواء.
  2. إذا وجدت نفسك قلقاً عند مرورك بحدث عاصف، ربما سيكون الأفضل البحث عما يمكنك التعليق عليه تعليقاً خفيف الظل يجعلك تضحك أو تبتسم.
  3. كن لطيفاً مع نفسك وتحدث إليها كما تتحدث إلى صديقك المفضل، على سبيل المثال بدلاً من القول: لقد اكتسبت وزناً زائداً جعل من حولي يعلقون على شكل جسمي، قل: "أنا أحب جسدي بغض النظر عن تغير وزني". وهذا بالطبع لا يمنع أن تبذل جهدك للوصول إلى وزن صحي، لكن لا تكن مدفوعاً برغبتك في أن يقبل الآخرون مظهرك.
  4. احرص على أن يكون حديثك إلى نفسك مرتبطاً باللحظة الحالية؛ لا تقلق من المستقبل أو تحزن على ما فاتك في الماضي، إنما ركز على ما يمكنك الاستمتاع به في واقعك.
  5. دوّن الأفكار التي تظهر في حديثك إلى نفسك للتحقق من صحتها ومنطقيتها، وكي تتعرف أيضاً إلى تأثيرها في حياتك اليومية.
  6. أجعل الحديث الإيجابي إلى ذاتك جزءاً من روتينك اليومي، أي لا تتعامل معه باعتباره عادة عشوائية تحدث وقتما تتاح الفرصة، إنما اعتبره وسيلة لتحسين صحتك النفسية ودفع شخصيتك للنمو.

اقرأ أيضاً: هل تكلم نفسك بطريقة سلبية؟ تعرف إلى أضرار ذلك والحلول الممكنة

متى يصبح الحديث إلى النفس مؤشر خطر؟

يوضح الطبيب النفسي إبراهيم حمدي أن الحديث إلى النفس يكون طبيعياً إذا كان يعكس تفكيراً ذاتياً عقلانياً يستهدف حل المشكلات أو تعزيز الذاكرة أو الانخراط في الممارسات الروحانية. ويكون غير طبيعي إذا كان يتضمن نغمة سلبية مستمرة وينطوي على جلد الذات وأفكار تعكس الاكتئاب أو القلق، إلى جانب سماع بعض الأصوات أحياناً -وهو عرض قد يكون دليلاً على الإصابة باضطراب الفصام- ففي هذه الحالة يكون الحديث إلى النفس كأنه حديث إلى شخص آخر ويشير إلى عدم الاتصال بالواقع.

عموماً، إذا وجدت أنك لا تستطيع التوقف عن الحديث إلى نفسك، أو أن أحاديثك تزداد سلبية، أو في حال سمعت أصواتاً غير حقيقية، ففي هذه الحالة سيكون من الضروري اللجوء إلى الطبيب النفسي ليشخص المشكلة ويضع استراتيجية علاجية مناسبة.

اقرأ أيضاً: كيف تحول مشاعرك السلبية إلى قوة إيجابية؟

المحتوى محمي