ملخص: تشير ساعتك إلى الـ 11 و11 دقيقة، وفي المرة التالية التي تنظر إليها يُظهر لك العداد الساعة الـ 12 و12 دقيقة. فينتابك الفضول وتتساءل: لماذا كلما نظرت إلى ساعتي صادفت تطابقاً بين أرقام الساعات والدقائق؟ يسمي العلماء هذه الظاهرة "الساعة المنعكسة" أو "الساعة المرآة". يميل بعض الثقافات إلى تقديم تفسيرات روحية لهذه الظاهرة، ولكن هل لها تفسيرات نفسية؟ يجيبنا المحلل النفسي الفرنسي تريستان موار بتوضيح بعض الحقائق: 1) ترتبط هذه الظاهرة بالخرافة أكثر من ارتباطها بحقيقة نفسية أو روحية عميقة. 2) تمثل هوساً بما هو عجيب وفاتن وغامض. 3) تفسير هذه الساعات باعتبارها إشارات تحيز معرفي للهروب من الواقع. لكن تريستان موار يجد لهذه الظاهرة دلالات في ميدان التحليل النفسي: 1) قد يعكس الاهتمام بها بعض تجليات اللاوعي الشخصي. 2) تفسيرها باعتبارها تنبؤات يغرق الفرد في عالم منفصل عن الواقع. 3) الانبهار بها قد يكشف بعض مظاهر القلق والقصور النفسي. 4) قد تعكس أيضا الحاجة إلى الوعي الشخصي وتأمل الذات. 5) رؤية الساعات المنعكسة المقلوبة يمكن أن تعكس حاجة إلى التوازن.
محتويات المقال
عندما تتطابق أرقام الساعات وأرقام الدقائق نحصل على ما يسميه علماء الأعداد "ساعة المرآة" أو "الساعة المنعكسة". من هذه الأوقات مثلاً: الساعة 11 و11 دقيقة، أو الساعة 12 و12 دقيقة أو الساعة 10 و10 دقائق. تتميز هذه الأوقات بقدرتها على إثارة الانتباه والتساؤل. وعادة ما نفسر هذا الحدث باعتباره رسالة من الكون أو إشارة قادمة من اللاوعي.
من التفسيرات الشائعة لهذه الظاهرة أن ساعة المرآة تبشر بوجود اتصال بين روح الفرد والكون المحيط به، ومن ثمّ تمنحه فرصاً لا محدودة للاكتشاف والنمو الشخصي. لكن هل هناك دلالات نفسية لرؤية هذا التطابق بين أرقام الساعات والدقائق؟ إليك نتائج البحث الذي أنجزناه حول الموضوع.
ما هي الدلالة النفسية للساعات المنعكسة؟
يرى المحلل النفسي تريستان موار (Tristan Moir) أن ساعات المرآة ترتبط بالخرافة أكثر من ارتباطها بحقيقة نفسية أو روحية عميقة. ويتزايد الميل إلى هذا التفسير بسبب استخدام الساعات الرقمية التي تجعل هذا التوقيت أكثر بروزاً مقارنة بعقارب الساعات العادية. قبل انتشار الساعات الرقمية الإلكترونية في سبعينيات القرن الماضي لم تكن الساعات التناظرية تسمح بالانتباه إلى هذه الأوقات المحددة بسهولة. يؤكد المحلل النفسي: "قد نتسلى جميعاً برؤية أرقام الساعة المتكررة لكن هذا الأمر ليس له معنى مهم".
إن الميل إلى رؤية دلالات معينة في هذه المواعيد التي تتطابق فيها أرقام الساعات والدقائق أقرب إلى البحث عن العجيب والغامض. يقرّ تريستان موار نفسه بأنه مرّ بفترات كان يستيقظ فيها بانتظام عند الساعة 5 و55 دقيقة، وهو رقم يرمز في علم الأعداد إلى الحياة. لكنه يشير إلى أن هذه الملاحظة لا تعكس سوى تفضيل شخصي ولا تمثل حقيقة كونية. يوضح ذلك قائلاً: "في علم الأرقام يمكننا البحث عن الدالّ ومدلوله، لكن في هذا التفسير الخرافي يتعلق الأمر بميل إلى البحث عمّا هو عجيب وفاتن وخرافي".
يمثل الميل إلى تفسير الساعات المنعكسة باعتبارها إشارات صورة من صور التحيز المعرفي. في هذا السياق يتحدث المحلل النفسي عن "تحيز الهروب" الذي يبحث من خلاله الفرد عن الخروج من واقعه اليومي عبر هذه المعتقدات. حتّى الأشخاص الأكثر عقلانية قد يُظهرون أحياناً بعض الميل إلى الخرافة، وهو الأمر الذي يؤكد ثابتاً من ثوابت النفس البشرية: الرغبة في الهروب من الحياة اليومية وإعادة بناء العالم السحري.
الأمر أعمق مما تتخيل!
من وجهة نظر علم النفس، فإن تفسير ساعات المرآة ينطوي على إدراك هذه الأوقات باعتبارها من تجليات اللاوعي الشخصي، إذ يمكن أن ترتبط كل ساعة من هذه الساعات بحدث من أحداث حياتك أو لحظة أثرت في نفسك. لذا؛ من الطبيعي أن تنتبه إلى بعض الساعات على وجه التحديد أكثر من غيرها.
وفقاً لتريستان موار فإن ساعات المرآة، التي ننظر إليها في معظم الأحيان باعتبارها تنبؤات، تغرقنا في عالم منفصل عن الواقع. ومن الممكن الربط بينها وبين "مبدأ اللذة" لدى فرويد لأنه يعبر عن فكرة البحث عن العجيب. ومع ذلك لو كان لهذه الساعات معنى حقيقي لأدت إلى إنجازات ملموسة.
يشير بعض المحللين النفسيين إلى نظريات المحلل النفسي كارل يونغ (Carl Jung) حول النماذج الأصلية والتزامن باعتبارها تفسيراً لساعات المرآة. لكن تريستان موار يحذرنا من تفسيرها بطريقة غامضة لأن التزامن يجب أن يكون دائماً دالاً. يؤكد الخبير ذلك قائلاً: "إذا كان هذا التفسير مؤشراً يؤدي إلى إنجازات ملموسة وإقراراً برسالة مفادها أننا بحاجة إلى أن نصبح أكثر وعياً ونضجاً فهذا مقبول، لكن يجب ألّا يظل هذا التفسير غامضاً".
قد يكشف الانبهار بساعات المرآة وجود بعض مظاهر القلق أو القصور النفسي. لذا؛ ينصح المحلل النفسي الأشخاص المهووسين بهذه الساعات أن "يغادروا مرحلة الطفولة ويدخلوا عالم البالغين". فهذا الهوس قد يبدو طقساً مُطمْئناً لكنه قد يثير القلق إذا لم يحترمه الفرد، ويمكن أن يكشف ميلاً إلى الهروب من الواقع.
لماذا قد ترى ساعات المرآة المقلوبة في معظم الأحيان؟
قد تكشف ساعات المرآة إذاً مواطن القصور والعصابية لدينا، وهو الأمر الذي قد يثير شعورنا بالقلق والتوتر. إنها تمثل صورة من صور الإدمان ووسيلة للهروب من الواقع من خلال إعادة إنتاج الطقوس التي تُشعرنا بالأمان، ويولّد غيابها قلقاً شديداً.
إن رؤية ساعات المرآة المقلوبة مثل الساعة 12 و21 دقيقة أو الساعة 23 و32 دقيقة قد تدل على حاجتك إلى توازن جوانب مختلفة من حياتك والتصالح بينها. ومن وجهة نظر نفسية، قد تعكس هذه الرؤية صراعاتك الداخلية أو ازدواجية في أفكارك وسلوكياتك. كما يرى المحلل النفسي تريستان موار أن الرؤية المتكررة لساعات المرآة، سواء كانت مقلوبة أم لا، إشارة إلى ضرورة معالجة صدماتنا والانتقال إلى مرحلة النضج.
لماذا قد نقرن ساعات المرآة أحياناً بالحب؟
من الأفكار الشائعة الاعتقاد بأننا عندما نرى ساعة منعكسة فهناك من يفكر فينا. بل نتخيل أحياناً أن هذا الشخص يكنّ لنا مشاعر الحب. لكن يمكن تفسير هذا الاعتقاد في الحقيقة برغبتنا في العثور على المعنى والارتباط في تجاربنا اليومية. ترتبط ساعات المرآة في الغالب بالحب أو الصداقة الخالصة لأننا ننظر إليها باعتبارها أوقاتاً يحاول خلالها اللاوعي أن ينقل إلينا رسائل مهمة حول علاقاتنا.
يمكن أن نفسر رؤية ساعات المرآة باعتبارها علامة ارتباط وثيق بشخص ما أو إشارة إلى وجود مشاعر الحب. لكن المحلل النفسي تريستان موار يؤكد أن هذه الرؤية تعكس سعينا إلى ما هو فاتن، ورغبتنا في العثور على بعض الجوانب السحرية في حياتنا اليومية.
لذا؛ يدعو المحلل النفسي إلى التركيز على حقيقة هذه الظواهر باعتبارها مصادفات لا تنطوي على أيّ دلالات عميقة. كما يلح على أهمية مواجهة الواقع وعدم الانسياق وراء التفسيرات الخرافية. يقول المحلل النفسي تريستان موار: "هناك دائماً مجال لتدارك الأمر والاستيقاظ". كما يدعونا جميعاً إلى البحث عن المعنى في الإنجازات الملموسة بدلاً من هذه الأرقام المتكررة.