هناك أوقات معينة بالنسبة لي أكون أكثر حذراً خلالها في أخذ قراراتي وأحاول قدر الاستطاعة ألا أتسرع في التصرف، منها تلك الأيام التي تعقب ليالي لم أحصل خلالها على ما يكفيني من النوم، وكذلك عندما أكون جائعاً، أو في حال كان الطقس حاراً؛ إذ غالباً ما تترافق درجة الحرارة المرتفعة مع تدهور جودة نومي ومن ثم سهولة إثارة أعصابي. ما زلت أذكر حتى اليوم رحلات صيفية فاشلة قررتها دون تفكير أو تخطيط لمجرد الهروب من تلك الأجواء النارية المحيطة بي، وبما أننا على مشارف فصل الصيف فقد حاولت البحث عن العلاقة المتشابكة بين الطقس الحار والقرارات السيئة، ومن هنا ولدت فكرة هذا المقال.
محتويات المقال
كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة في قراراتك؟
حتى نمسك بالخيط من بدايته، تذكر معي أياماً صيفية كانت ملابسك فيها مبتلة بعرقك وحرارة رأسك مرتفع، ودعني اسألك: ما الذي كان يسيطر عليك حينها؟ بالضبط؛ إنه القلق والتوتر والانزعاج، والرغبة الجامحة في الذهاب إلى أي مكان يتوافر به مكيف الهواء والمرطبات. غالباً ما نكون في تلك الأيام الصيفية متحفزين عصبياً ويسهل ارتكابنا للسلوكيات الغاضبة والعنيفة، ومن الناحية الأخرى ينخفض معدل سعادتنا وشعورنا بالرضا. وقد يلجأ البعض إلى التنفيس عن غضبهم بتفريغه على شخص آخر مثل نادل القهوة الذي أحضر لهم مشروباً خاطئاً، فيوبخونه بعنف لا يتناسب مع ما حدث.
وفقاً للمعطيات السابقة، هل تظن أن شخصاً في هذه الحالة الحرجة يمكنه أخذ قرارات عقلانية منطقية غير مندفعة؟ بالتأكيد لا، فالقرارات التي تُؤخذ في طقس مثل هذا تكون بنسبة كبيرة قرارات سريعة غير محسوبة ولم تأخذ حقها من الدراسة. على سبيل المثال، قد يقرر أحد الأشخاص تجاوز الإشارة الحمراء في يوم صيفي شديد الحرارة ليس لشيء سوى أنه يريد الوصول إلى منزله بسرعة، بينما لو كان الطقس معتدلاً فغالباً لن يقدم على هذه المخالفة.
التأثيرات السابقة لارتفاع درجة الحرارة مثبتة في دراسة نشرتها مجلة البيئة والسلوك (Environment and Behavior) توصل من خلالها الباحثون إلى أنه كلما ارتفعت درجة الحرارة زادت نسبة اتخاذ قرارات أكثر خطورة بدرجة كبيرة. ويقول أستاذ علم النفس ويليام هايز (William Hayes) إن ذلك مرتبط إلى حد كبير بأن الطقس الحار يجعل الشخص في مزاج سلبي يدفعه إلى فعل أي شيء يخفف تلك المشاعر، بما في ذلك السلوكيات الخطرة.
اقرأ أيضاً: هل تعاني من الأرق الصيفي؟ إليك 4 إرشادات فعالة للتخلص منه
ما هي التأثيرات النفسية الأخرى للطقس الحار؟
يشير الطبيب النفسي إبراهيم حمدي إلى أنه مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة قد نشعر جميعاً بتغيرات في حالتنا النفسية، أهمها سرعة الانفعال أو إصابتنا بالاكتئاب الموسمي. وحتى تتخيل معي عمق تأثير درجة الحرارة المرتفعة في صحتك النفسية، دعني أخبرك أن هناك دراسة بحثية نشرتها مجلة لانسيت للأبحاث البيئية (The Lancet Planetary Health) قدمت لنا معادلة مُقلقة، وهي أن كل ارتفاع في درجات الحرارة بمقدار درجتين يرتبط بارتفاع معدلات الانتحار والسلوك الانتحاري بنسبة 1.5%، وزيادة في دخول المستشفيات لأسباب ذات صلة بالاضطرابات النفسية بنسبة 10%.
أيضاً هناك جانب شديد الأهمية، ألا وهو تأثير الطقس الحار في تدهور النوم؛ ففي حال عدم توفر مكيف هواء يكون الاستغراق في النوم مهمة شاقة، ويقول لمختص طب النوم مشني السعيد إن ذلك نتيجة التعرق الزائد والاستيقاظ المتكرر، ما يؤدي بدوره إلى زيادة التوتر والقلق واضطراب المزاج وانخفاض التركيز نهاراً.
مما سبق نصل إلى استنتاج واضح هو أن ارتفاع درجات الحرارة يشعر البشر بالغضب والإحباط والانفعال، وفي المقابل عندما تنخفض درجات الحرارة ضمن نطاق المعدلات المثلى يزداد شعورهم بالرضا عن حياتهم.
اقرأ أيضاً: 5 نصائح للتخفيف من ضغوط الحياة بعد العطلة الصيفية
4 نصائح عملية للعناية بصحتك النفسية في الأيام الحارة
لنكن واقعيين، لا مفر من فصل الصيف بشمسه اللاهبة، لذا سيكون من المفيد البحث عن نصائح فعالة تساعدنا على التعايش معه بأقل خسائر نفسية، مثل:
- راقب حالتك المزاجية في حال ارتفاع درجة الحرارة، وانتبه لأي أفكار سلبية تخطر لك، أو لرغبتك في اتخاذ قرارات متهورة، فمجرد الوعي بهذه التغيرات يزيد قدرتك على إدارتها.
- اصنع مسارات صحية للتنفيس عن إحباطك وغضبك، مثل ممارسة الرياضة أو الرسم أو الاستماع إلى موسيقاك المفضلة؛ أضف لمسة جميلة إلى يومك بطريقة أو بأخرى.
- ضع خطة لتخفيف تأثير درجات الحرارة المرتفعة قدر الإمكان، بخطوات مثل الجلوس في مكان يتوفر فيه مكيف الهواء إن أمكن، وشرب الماء بانتظام وأخذ حمام بارد، إلى جانب عدم تحميل نفسك فوق طاقتها وممارسة التأمل واليوغا وأي تقنية أخرى يمكنها تخفيف توترك.
- في حال وصلت حالتك النفسية إلى مرحلة سيئة وأصبحت غير قادر على التحكم بانفعالاتك، سيكون من الضروري اللجوء إلى استشارة المختص النفسي، كي يشخص حالتك ويمدك بالحلول العلاجية الملائمة لك.